لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية الأُخرى تشير إلى الصفة الثّالثة والرّابعة والخامسة والسادسة، حيث تقول: (والذين استجابوا لربهم). (وأقاموا الصلاة). (أمرهم شورى بينهم)(4). (وممّا رزقناهم ينفقون). فالآية السابقة كانت تتحدث عن تطهير النفس من الذنوب والتغلب على الغضب، إلاّ أن الآية التي نبحثهاتتحدث عن بناء النفس في المجالات المختلفة، ومن أهمها إجابة دعوة الخالق، والتسليم حيال أوامره، حيث أن الخير كلّ الخير تجسد في هذا الأمر. فهم مستسلمون بكل وجودهم لأوامره، وليست لهم إرادة إزاء إرادته، ويجب أن يكونوا هكذا، لأنّ الإستسلام والإستجابة أمران حتميان بعد تطهير القلب والروح من آثار الذنب الذي يعيق السير نحو الحق. ونظراً لوجود بعض القضايا المهمّة في التعليمات الإلهية يجب الإشارة إليها بالخصوص، لذا نرى أن الآية أشارت إلى بعض المواضيع المهمّة وخاصة (الصلاة) التي هي عمود الدين وحلقة الوصول بين المخلوق والخالق ومربية النفوس، وتعتبر معراج المؤمن وتنهى عن الفحشاء والمنكر. بعد ذلك تشير الآية إلى أهم قضية اجتماعية وهي "الشورى" فبدونها تعتبر جميع الأعمال ناقصة، فالإنسان الواحد مهما كان قوياً في فكره وبعيداً في نظره، إلاّ أنّه ينظر للقضايا المختلفة من زاوية واحدة أو عدّة زوايا، وعندها ستختفي عنه الزوايا والأبعاد الأُخرى، إلاّ أنّه وعند التشاور حول القضايا المختلفة تقوم العقول والتجارب المختلفة بمساعدة بعضها البعض، عند ذلك ستتوضح الأُمور وتقل العيوب النواقص ويقل الإنحراف. لذا فقد ورد في حديث عن الرّسول(ص) أنّه قال: "ما من رجل يشاور أحداً إلاّ هدي إلى الرشد". والملفت للنظر أن العبارة وردت هنا على شكل برنامج مستمر للمؤمنين، ليس في عمل واحد ومؤقت، بل يجب أن يكون التشاور في جميع الأعمال. والطريف في الأمر أن الرّسول(ص) كان أيضاً يتشاور مع أتباعه وأنصاره في القضايا الإجتماعية المهمّة والتنفيذية والصلح والحرب والأمور المهمّة الأُخرى بالرغم من تكامل عقله وارتباطه بمصدر الوحي، وكان يشاور أصحابه أحياناً بالرغم من المشكل التي تحصل من جراء ذلك، لكي يكون أسوة وقدوة للناس، لأن بركات الإستشارة أكثر بكثير من احتمالات ضررها. وهناك تفصيلات في نهاية الآية (159) من سورة آل عمران بخصوص (الإستشارة) و (شروط الشورى) و(أوصاف الذين يجب استشارتهم) و(مسؤولية المستشار) حيث لا نرى ضرورة إلى إعادة ذلك، إلاّ أنّه يجب أن نضيف بعض الملاحظات الأُخرى: أ - الشورى تختص بالأعمال التنفيذية ومعرفة الموضوع وليست لمعرفة الأحكام، لأنّها يجب أن تؤخذ من مصدر الوحي ومن الكتاب والسنة، وعبارة (أمرهم) تشير إلى هذا المعنى أيضاً، لأن الأحكام ليست من شأن الناس، بل هي من أمر الخالق. ولذا فلا أساس لما يقوله بعض المفسّرين كالآلوسي من أن الشورى تشمل الأحكام أيضاً، حيث لا يوجد نص خاص بذلك، خاصة وأنّنا نعتقد بعدم وجود أي أمر في الإسلام ليس له نص عام أو خاص صادر بشأنّه، وإلاّ فما فائدة (اليوم أكملت لكم دينكم)(5) ( يجب قراءة تفصيلات عن هذا المعنى في كتب أصول الفقه بخصوص بطلان الإجتهاد بمعنى التقنين في الإسلام). ب - قال بعض المفسّرين إن شأن نزول عبارة: (أمرهم شورى بينهم)خاص بالأنصار بخصوص الأنصار، إما لأن أعمالهم قبل الإسلام كانت وفقاً للشورى، أو هي إشارة إلى تلك المجموعة من الأنصار الذين آمنوا قبل هجرة النّبي(ص)وبايعوه في (العقبة)، ودعوه إلى المدينة (لأن هذه السورة مكية، والآيات أعلاه نزلت في مكّة كما يظهر أيضاً). وعلى أية حال، فإن الآية لا تختص بسبب نزولها، بل توضح برنامجاً عاماً وجماعياً. وننهي هذا الكلام بحديث عن أمير المؤمنين الإمام علي(ع) حيث يقول: "لا ظهير كالمشاورة، والإستشارة عين الهداية"(6). ومن الضروري الإشارة إلى أن آخر صفة وردت في هذه الآية لا تشير إلى الإنفاق المالي فحسب، وإنّما إنفاق كلّ ما أعطاه الخالق من الرزق كالمال والعقل والذكاء والتجربة، والتأثير الإجتماعي، والخلاصة: الإنفاق من كلّ شيء. ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ أجابوه إلى ما دعاهم إليه من الإيمان ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى﴾ أي ذو تشاور ﴿بَيْنَهُمْ﴾ لا يقدمون عليه حتى يتشاوروا فيه ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ في طاعة الله.