أمّا آخر آية فتشير مرّة اُخرى إلى الصبر والعفو، لكي تؤكّد أن الإنتقام والعقاب والقصاص من الظالم لا يمنع المظلوم من العفو، حيثت تقول: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)(3).
"العزم" في الأصل يعني (التصميم لإنجاز عمل معين)، ويطلق على الإرادة القوية، وقد تكون عبارة (عزم الأمور) إشارة إلى أن هذا العمل من الأعمال التي أمر الله بها ولا يمكن أن تنسخ، أو أنّه من الأعمال التي يجب أن يشد الإنسان العزم لها، وأياً كان من المعنيين فهو يدل على أهمية هذا العمل.
والملفت للنظر ذكر (الصبر) قبل (الغفران)، لأنّه مع عدم وجود الصبر لا يمكن أن يحصل العفو والغفران، حيث يفقد الإنسان السيطرة على نفسه ويحاول الإنتقام مهماكان.
ومرة اُخرى نذكّر بهذه الحقيقة، وهي أن العفو والغفران مطلوبان في حال القوة والإقتدار، وأن يستفيد الطرف المقابل من ذلك بأفضل شكل أيضاً، وقد تكون عبارة "من عزم الأمور" لتأكيد هذا المعنى أيضاً، لأنّ التصميم بخصوص شيء معين يحدث عندما يكون الإنسان قادر على إنجاز ذلك الشيء، على أية حال فإن العفو الذي يكون مفروضاً من قبل الظالم، أو يشجعه في عمله ويجرئه على ذلك، غير مطلوب.
بعض الرّوايات فسّرت الآيات أعلاه بثورة الإمام المهدي(عج) وانتقامه وانتصاره على الظالمين والمفسدين في الآرض. وكما قلنا عدّة مرات سابقاً فإن مثل هذه التفاسير من قبيل بيان المصداق الواضح ولا تمنع من عمومية مفهوم الآية وشموليته(4).
﴿وَلَمَن صَبَرَ﴾ فلم ينتصر ﴿وَغَفَرَ﴾ وصفح ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ الصبر والصفح ﴿لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ معزوماتها المأمور بها.