الآية الأُخرى تذكر ثالث عقاب لهذه المجموعة حيث تقول: (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي)(2).
فالقلق والخوف الشديد يسيطران على وجودهم، والذلة والإستسلام يطغيان عليهم، وانتهى كلّ شيء من التكبر ومحاربة وظلم وإيذاء المظلومين، وينظرون من طرف خفي إلى النّار.
هذه صورة لحالة شخص يخشى من شيء أشد خشية ولا يريد أن ينظر إليه بعينين مفتوحتين، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يتغافل عنه، لذا فهو مجبور على النظر إليه، لكن بطرف خفي.
بعض المفسّرين قالوا: إنّ جملة (طرف خفي) تعني هنا النظر بعين نصف مفتوحة، لأنّهم لا يستطيعون فتح العين كاملةً من شدة الخوف والهول العظيم، أو أنّهم من شدة الأنّهيار والإعياء لا يستطيعون فتح العين بشكل كامل.
فعندما تكون حالة الإنسان هكذا قبل أن يدخل النّار... فماذا سيجري عليه عندما يطؤها ويهوي في أعماقها؟!
أمّا آخر عقاب ذكر هنا، فهو سماع اللوم والتوبيخ الأليم من المؤمنين، كما جاء في آخر الآية: (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة).
فهل هناك خسارة أعظم من أن يخسر الإنسان نفسه، ثمّ زوجه، وأبناءه وأقرباءه؟ ونصيبه نار الفراق وهو في داخل العذاب الإلهي؟!
ثم تضيف: يا أهل المحشر: (ألا إنّ الظالمين في عذاب مقيم).
إنّه العذاب الذي ليس هناك أمل بانتهائه، ولا يتحدد بزمان معين. إنّه العذاب الذي يحرق أعماق الروح وظاهر الجسد على السواء.
وليس من لمستبعد أن يكون القائل لهذا الكلام هم المؤمنون الحقيقيون، وهم الأنبياء والأولياء وأتباعهم الخاصين، حيث أنّهم مطهرون من الذنب، والمظلومون الذين أوذوا كثيراً من قبل هؤلاء الظالمين، ومن حقهم التحدث بهذا الكلام في ذلك اليوم (وقد أشارت روايات أهل البيت عليهم السلام إلى هذا المعنى)(3).
ومن الضروري الإشارة إلى هذه الملاحظة، وهي أن (العذاب الخالد) لهؤلاء الظالمين، يدل على أن المقصود هم الكافرون، كما ورد في بعض الآيات القرآنية: (والكافرون هم الظالمون).
﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا﴾ على النار المعلومة من العذاب ﴿خَاشِعِينَ﴾ متواضعين ﴿مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ يبتدىء نظرهم إليها من تحريك لأجفانهم ضعيف نظر مسارقة ﴿وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لتخليدهم في النار وعدم انتفاعهم بأهليهم ﴿أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾ من كلامهم أو قول الله.