وهنا يقول سبحانه وكأنّه يتأسف على أحوال هذه الطائفة من الناس (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم الله...) أي شيء عليهم لو تركوا هذا السلوك وعادوا إِلى جادة الصواب وأنفقوا ممّا رزقهم الله من الخير والنعمة في سبيل الله، بإِخلاص لا رياء، وكسبوا بذلك رضا الله، وتعرضوا للطفه وعنايته، وأحرزوا سعادة الدنيا والآخرة؟
فلماذا لا يفكر هؤلاء ولا يعيدون النظر في سلوكهم؟ ولماذا ترى يتركون طريق الله الأنفع والأفضل ويختارون طريقاً أُخرى لا تنتج سوى الشقاء، ولا تنتهي بهم إِلاّ إِلى الضرر والخسران؟
وعلى كل حال فإِنّ الله يعلم بأعمالهم ونواياهم ويجزيهم بما عملوا: (وكان الله بهم عليماً).
والجدير بالإِنتباه أنّ الإِنفاق في الآية السابقة التي كان الحديث فيها حول الإِنفاق مراءاة نُسب إِلى الأموال "ينفقون أموالهم"، وفي هذه الآية نسب إِلى (ممّا رزقهم الله)، وهذا التفاوت والإِختلاف في التعبير يمكن أن يكون إِشارة إِلى ثلاث نقاط:
أوّلا: إِنّه في الإِنفاق رياء لا تلحظ حلّية المال وحرمته، في حين تلحظ في الإِنفاق لله حلّية المال وأن يكون مصداق(ممّا رزقهم الله).
ثانياً: إِنّه في الإِنفاق رياء حيث أنّهم يحسبون أنّ المال الذي ينفقونه خاص بهم، لذلك فهم لا يمتنعون عن الكبر والمنّ، في حين أنّ المنفقين لله حيث يعتقدون بأنّ الله هو الذي رزقهم ما يملكون من المال، وأنّه لا مجال للمنّ إِذا هم أنفقوا شيئاً من ذلك، ولذلك يمتنعون من الكبر والمنّ.
ثالثاً: إِنّ الإِنفاق رياء ينحصر غالباً في المال، لأنّ أمثال هؤلاء محرمون من أي رأسمال معنوي لينفقوا منه، ولكن الإِنفاق لوجه الله تتسع دائرته فتشمل كل المواهب الإِلهية من المال، والعلم والجاه، والمكانة الإِجتماعية وما شابه ذلك من الأُمور المادية والمعنوية.
﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ﴾ أي أي ضرر عليهم بالإيمان والإنفاق في سبيل الله وهو توبيخ لهم إذ كل منفعة في ذلك وإنما الضرر فيما هم عليه ﴿وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيمًا﴾ فيجازيهم بأعمالهم.