وهكذا تستمر هذه الحالة على هذا المنوال، فيبقى الإِنسان الغافل الجاهل على ضلاله، وتستمر الشياطين في إضلاله، حتى ترفع الحجب، وتنفتح عين رؤيته على الحقيقة: (حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين).
إنّ كل أنواع العذاب من جهة، ومجالسة قرين السوء هذا من جهة اُخرى والنظر إلى وجهه المشؤوم يجسد أمام عينيه كل ذكريات ضياعه وتعاسته، فويل له إذ أصبح قرين من كان يزين له كل القبائح ويسلكه طريق الضلال على أنّه سبيل الخير والفلاح، وطريق الإِنحراف على أنّه طريق الهدى والصلاح، وويل له إذا أصبح مقيّداً معه بنفس الأصفاد في نفس السجن!
نعم، إن عرصة القيامة تجسيد واسع لمشاهد هذه الدنيا، والقرين والرفيق والقائد والدليل هنا وهناك واحد، بل إنّهما - برأي بعض المفسّرين - يقرنان بسلسلة واحدة!
من المعلوم أنّ المراد من المشرقين: المشرق والمغرب، لأنّ العرب عندما يريدون أن يثنوا جنسين مختلفين بلفظ واحد، فإنّهم يختارون أحد اللفظين، كما يقولون: الشمسان، إشارة إلى الشمس والقمر، والظهران، إشارة إلى صلاتي الظهر والعصر، والعشاءان، إشارة إلى صلاتي المغرب والعشاء.
وقد ذكروا تفاسير أُخرى لا تبدو مناسبة للآية من أي وجه، كقولهم: إنّ المراد هو مشرق بداية الشتاء، ومشرق بداية الصيف، وإن كان هذا التّفسير مناسباً في موارد أُخرى.
وعلى أية حال، فإنّ هذا التعبير كناية عن أبعد مسافة يمكن تصورها، حيث يضرب المثل ببعد المشرق عن المغرب في هذا الباب.
﴿حَتَّى إِذَا جَاءنَا﴾ أي العاشي يوم القيامة وقرىء جاءانا أي هو وقرينه ﴿قَالَ﴾ لقرينه ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ بعد المشرق والمغرب غلب المشرق فثنى ﴿فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ أنت.