التّفسير
ما هي "الذّرة"؟:
"الذّرة" في الأصل هي النملة الصغيرة التي لا ترى، وقال البعض: هي من أجزاء الهباء والغبار في الكّوة التي تظهر عند دخول شعاع الشمس خلالها، وقيل أيضاً أنّه الغبار الدقيق المتطاير من يدي الإِنسان إذا جعلهما على التراب وما شابهه ثمّ نفخهما.
ولكنّها أُطلقت تدريجاً على كل شيء صغير جدّاً، وتطلق الآن ويراد منها ما يتكون من الإِلكترون والبروتون أيضاً.
لأنّها إِذا كانت تطلق سابقاً على أجزاء الغبار، فلأن تلك الأجزاء كانت أصغر أجزاء الجسم، ولكن حيث ثبت اليوم أنّ أصغر أجزاء "الجسم المركب" هو "المولوكول" أو الجزيئة، وأصغر أجزاء "الجسم البسيط" هو "الذّرات"، أختيرت لفظة "الذّرة" في الإِصطلاح العلمي على تلك الجزئيات التي لا ترى بالعين المجرّدة، بل لا يمكن أن ترى حتى بأقوى الميكروسكوبات الإِلكترونية، وإِنّما يحسّ بوجودها من خلال القوانين والمعادلات العلمية والتصوير بآلات مزودة بأدقّ الأجهزة وأقواها، وحيث أن "مثقال" يعني الثقل، فإِنّ التعبير بمثقال ذرة يعني جسماً في غاية الدقة والصغر.
إِنّ الآية الحاضرة تقول: إِنّ الله لا يظلم قط زنة ذرة، بل يضاعف الحسنة إِذا قام بها أحد، ويعطي من لدنه على ذلك أجراً عظيماً: (إِنّ الله لا يظلم مثقال ذرة وإِن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنها أجراً عظيماً).
إِنّ هذة الآية - في الحقيقة - تقول للكافرين الذين يبخلون والذين مرّ الحديث عن أحوالهم في الآيات السابقة: إِنّ العقوبات التي تصيبكم ما هي في الحقيقة إلاّجزاء ما قمتم به من الأعمال، وأنّه لا يصيبكم أي ظلم من جانب الله، بل لو أنّكم تركتم الكفر والبخل وسلكتم طريق الله لنلتم المثوبات العظيمة المضاعفة.
ثمّ أنّه لابدّ من الإِنتباه إِلى أن لفظة "ضعف" و"المضاعف" تعني في اللغة العربية ما يعادل الشيء أو يربو عليه مرّات عديدة، وعلى هذا الأساس لاتنافي هذه الآية الآيات الاُخرى التي تقول: إِن أجر الإِنفاق قد يصل إِلى عشرة أضعاف، وقد يصل إِلى سبعمائة مرّة... وعلى أي حال فإِنّها تحكي عن لطف الله بالنسبة إِلى عباده، حيث لا يعاقبهم على سيئاتهم وذنوبهم بأكثر ممّا عملوا، بينما يضاعف الأجر بمرات كثيرة إِذا أتوا بحسنة واحدة.
يبقى أن نعرف لماذا لا يظلم الله سبحانه؟ فإِنّ السبب فيه واضح، لأن الظلم عادة - إِمّا ناشىء عن الجهل، وإمّا ناشىء عن الحاجة، وإمّا ناشىء عن نقص نفسي.
ومن كان عالماً بكل شيء، وكان غنيّاً عن كل شيء، ولم يكن يعاني من أي نقص، لا يمكن صدور الظلم منه، فهو لا يظلم أساساً، لا أنّه تعالى لا يقدر على الظلم، ولا أن الظلم غير متصوّر في حقّه (كما تذهب إِليه طائفة من الأشاعرة)، بل مع قدرته تعالى على الظلم - لا يظلم أبداً لحكمته وعلمه، فهو يضع كل شيء في عالم الوجود موضعه، ويعامل كل أحد حسب عمله، وطبقاً لسلوكه وسيرته.
﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ زنة غلة صغيرة أو جزء من أجزاء الهباء لغناه عن الظلم وعلمه بقبحه ﴿وَإِن تَكُ﴾ أي مثقال الذرة، وأنث الضمير لتأنيث الخبر أو لإضافة المثقال إلى مؤنث ﴿حَسَنَةً﴾ بالرفع على التامة وبالنصب على الناقصة ﴿يُضَاعِفْهَا﴾ يضاعف ثوابها ﴿وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ عطاء جزيلا.