إنّ هذه الحوادث المرّة الأليمة وإن كانت تنبه هؤلاء بصورة مؤقتة، فيلجؤون إلى موسى، غير أنّهم بمجرّد أن تهدأ العاصفة ينسون كل شيء، ويجعلون موسى غرضاً لسهام أنواع التهم، كما نقرأ ذلك في الآية التالية: (وقالوا يا أيّها الساحر ادع لنا ربّك بما عهد عندك إنّنا لمهتدون).
أي تعبير عجيب هذا؟! فهم من جانب يسمونه ساحراً، ومن جانب آخر يلجؤون إليه لرفع البلاء عنهم، ومن جانب ثالث يعدونه بتقبل الهداية!
إن عدم الإِنسجام بين هذه الأُمور الثلاثة في الظاهر أصبح سبباً في اختلاف التفاسير:
فذهب البعض: إنّ الساحر هنا يعني العالم، لأنّهم كانوا يعظمون السحرة في ذلك الزمان، وخاصّة في مصر، وكانوا ينظرون إليهم نظرتهم إلى العلماء.
واحتمل البعض أن يكون السحر هنا بمعنى القيام بأمر مهم، كما نقول في محادثاتنا اليومية: إنّ فلاناً ماهر في عمله جدّاً حتى كأنه يقوم بأعمال سحرية!
وقالوا تارة: إنّ المراد أنّه ساحر بنظر جماعة من الناس.
وأمثال هذه التفاسير.
إلاّ أنّ العارفين بطريقة تفكير وتحدث الجاهلين المعجبين بأنفسهم والمستكبرين المغرورين والطواغيت يعلمون أنّ لهؤلاء الكثير من هذه التعابير المتناقضة، فلا عجب من أن يسمّوه ساحراً أوّلاً، ثمّ يلجؤون إليه لرفع البلاء، وأخيراً يعدونه بالإِهتداء.
بناء على هذا فيجب الحفاظ على ظاهر تعبيرات الآية والوقوف عندها، إذ لا تبدو هناك حاجة إلى توجيهات وتفاسير أُخرى.
وعلى أية حال، فيظهر من أسلوب الآية أنّهم كانوا يعدون موسى (ع) وعوداً كاذبة في نفس الوقت الذي هم بأمس الحاجة إليه، وحتى في حال المسكنة وعرض الحاجة لم يتخلوا عن غرورهم، ولذلك عبروا في طلبهم من موسى بـ (ربك) و (بما عهد عندك) ولم يقولوا: ربّنا، وما وعدنا، أبداً.
مع أن موسى قال لهم بصراحة: إنّي رسول ربّ العالمين، لا رسول ربّي.
أجل، إن ضعاف العقول والمغرورين إذا ما تربعوا على عرش الحكم، فسيكون هذا منطقهم وعرفهم وأسلوبهم.
﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ﴾ العالم الماهر كانوا يرون السحر علما وقيل سموه ساحرا لكفرهم ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ﴾ بعهده ﴿عِندَكَ﴾ من النبوة أو كشف العذاب عمن آمن ﴿إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾ إن كشف عنا العذاب.