بل: (إن هو إلاّ عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) فقد كانت ولادته من غير أب آية من آيات الله، وتكلمه في المهد آية أُخرى، وكانت كل معجزة من معجزاته علامة بينة على عظمة الله سبحانه، وعلى مقام النبوّة.
لقد كان عيسى مقِراً طوال حياته بالعبودية لله، ودعا الجميع إلى عبوديته سبحانه، ولما كان موجوداً في أُمته لم يسمح لأحد بالإِنحراف عن مسير التوحيد، ولكن المسيحيين أوجدوا خرافة ألوهية المسيح، أو التثليث، بعده (5).
والطريف أن نقرأ في روايات عديدة وردت عن طريق الشيعة والسنة، أنّ النبي (ص) قال لعلي (ع): "إن فيك مثلاً من عيسى، أحبّه قوم فهلكوا فيه، وأبغضه قوم فهلكوا فيه" فقال المنافقون: أما رضي له مثلاً إلاّ عيسى، فنزل قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون).
وما قلناه متن رواية أوردها الحافظ أبو بكر بن مردويه - من علماء أهل السنة المعروفين - في كتاب المناقب.
طبقاً لنقل كشف الغمة صفحة 95.
وقد نقل جمع آخر من علماء السنة، وكبار علماء الشيعة هذه الحادثة في كتب عديدة، تارة بدون ذكر الآية أعلاه، وأُخرى مع ذكرها (6).
إنّ القرائن الموجودة في الآيات توحي بأن هذا الحديث المعروف من قبيل تطبيق المصداق، لا أنه سبب النّزول، وبتعبير آخر: فإنّ سبب نزول الآية هو قصة عيسى وقول المشركين وأصنامهم، لكن لما وقع لعلي (ع) حادث شبيه لذاك بعد ذلك القول التاريخي للنبي (ص)، فإنه (ص) تلا هذه الآية هنا ليبين أنّ هذا الحادث كان مصداقاً لذاك من جهات مختلفة.
﴿إِنْ هُوَ﴾ ما عيسى ﴿إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ بالنبوة ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ كالمثل في الغرابة من خلقه من غير أب.