لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير بعض الأحكام الفقهية: تستفاد من الآية الحاضرة عدّة أحكام إِسلامية هي: 1 - حرمة الصّلاة في حال السكر، أي لا يجوز للسكارى أن يقربوا الصّلاة لبطلان صلاتهم في حالة السكر، وفلسفة ذلك واضحة، فإِن الصلاة حديث العبد إِلى ربّه ومناجاته ودعاؤه، ولابدّ أن يتمّ كل هذا في حالة الوعي الكامل، والسكارى أبعد ما يكونون عن هذه الحالة: (يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون). يوهنا يمكن أن يطرح أحد سؤا هو: أليس مفهوم الآية هو المنع من شرب المسكرات إِذا بقي أثرها وسكرها إِلى وقت الصلاة، وهو ينطوي على دليل جوازه في سائر الحالات؟ والإِجابة على هذا السؤال تأتي - بإِذن الله - مفصّلة عند تفسير الآية(90) من سورة المائدة، إِلاّ أن الجواب الإِجمالي هو: إِنّ الإِسلام استخدم لتطبيق يالكثير من أحكامه أسلوب "التغيير التدريجي" فمث مسألة تحريم تعاطي يالخمور هذه طبقها الإِسلام في مراحل، فهو أوّ أعطاه صفة المشروب الغير المحبّذ في قبال "الرزق الحسن"(كما في الآية (67) من سورة النحل "ورزقاً حسناً") ثمّ منع من الإِقتراب إِلى الصلاة إِذا كان السكر الناشىء منها لا يزال باقياً (كما في الآية الحاضرة) ثمّ قارن بين منافعه ومضاره ورجحان مضاره ومساوئه، كما في سورة البقرة الآية (219)، وفي المرحلة الأخيرة نهى عن الخمر بصورة قاطعة وصريحة، كما في سورة المائدة الآية (90). وأساساً ليس هناك من سبيل لتطهير المجتمع من جذور مفسدة إِجتماعية أو خلقية متجذرة في أعماق المجتمع واقتلاعها من الجذور أفضل من هذا الأُسلوب، وأجدى من هذا الطريق، وهو أن يهيأ الأفراد تدريجاً، ثمّ يتمّ الإِعلان عن الحكم النهائي. كما أنّه لابدّ من الإِلتفات إِلى نقطة مهمّة، هي أنّ الآية الحاضرة لا تجيز بأي وجه من الوجوه شرب الخمر، بل هي تتحدث فقط عن مسألة الإِقتراب إِلى الصلاة في حال السكر، بينما التزمت الصمت بالنسبة إِلى حكم شرب الخمر في غير هذا المورد حتى يحين موعد المرحلة النهائية للحكم. هذا مع الإِلتفات إِلى أنّ أوقات الصلوات الخمس خاصّة في ذلك الزمان الذي كانت العادة فيه إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها، بحكم أنّها كانت متقاربة كان الإِتيان بالصلاة في حال الوعي يقتضي أن ينصرف الأشخاص عن تناول المسكرات في الفترات الواقعة بين أوقات الفرائض انصرافاً كلياً، لأنّ السكر كان يستمر غالباً إِلى حين حلول وقت الفريضة وعلى هذا كان الحكم المذكور في الآية الحاضرة أشبه بالحكم النهائي والتحريم الأبدي المطلق. كما أنّ هناك موضوعاً لابدّ من التذكير به، وهو أنّ الآية الحاضرة فسّرت في روايات عديدة في كتب الشيعة والسنة بسكر النوم، يعني لا تقربوا الصلاة ما لم تطردوا النوم عن عيونكم كاملة لتعلموا ما تقولون. ولكن يبدو للنظر أن هذا التّفسير مستفاد من مفهوم: (حتى تعلموا ما تقولون)وإِن لم يدخل في مصداق "السكارى"(1). وبعبارة أُخرى، يستفاد من جملة: (حتى تعلموا ما تقولون) المنع عن الصلاة في كل حالة لا يتمتع فيها الإِنسان بالوعي الكامل، سواء كان بسبب حالة السكر، أو بسبب ما تبقى من النوم. كما أنّه يستفاد من هذه الجملة أيضاً أنّ الأفضل عدم إقامة الصلاة عند الكسل أو قلّة التوجه، لأنّ الحالة السابقة توجد في هذه الصورة بشكل ضعيف، ولعلّه لهذا السبب جاء في ما روي عن الإِمام الباقر(عليه السلام) من أنّه قال: "لا تقم إِلى ييالصلاة متكاس، ولا متناعساً ولا متثاق وقد نهى الله عزّ وجلّ المؤمنين أن يقوموا إِلى الصلاة وهم سكارى... "(2). 2 - بطلان الصلاة في حال الجنابة الذي أشير إِليه بعبارة (ولا جنباً) ثمّ استثنى سبحانه من هذا الحكم بقوله: (إلاّ عابري سبيل) أي إِذا فقدتم الماء في السفر جاز لكم أن تقيموا الصلاة (شريطة أن تتيمموا كما يجيء في ذيل الآية). غير أن هناك تفسيراً آخر جاء لهذه الآية في الروايات والأخبار(3)، هو أنّ المقصود من الصلاة في الآية هو محل الصلاة - أي المسجد - أي لا تدخلوا المساجد وأنتم على جنابة، ثمّ استثنى العبور في المسجد بقوله: (إلاّ عابري سبيل) يعني يجوز لكم العبور في المسجد وأنتم على جنابة وإن لم يجز لكم المكث واللبث فيه. ويستفاد من بعض الروايات أنّ جماعة من المسلمين، وصحابة النّبي كانوا قد بنوا بيوتهم حول المسجد النّبوي بحيث تفتح أبوابها في المسجد، فسمح لهم بأن يعبروا من المسجد وهم على جنابة دون أن يتوقفوا فيه. ولكن لابدّ أن ننتبه إِلى أن هذا التّفسير يستلزم أن تكون لفظة الصلاة في الآية الحاضرة قد أتت بمعنيين: أحدهما الصلاة نفسها، والآخر محل الصلاة، لوجود بيان حكمين مختلفين في الآية: أحدهما المنع والنهي عن الإِقتراب إِلى الصلاة في حالة السكر، والآخر الإِجتناب عن دخول المساجد في حالة الجنابة (طبعاً لا مانع ولا ضير في استعمال لفظة واحدة في معنيين أو أكثر كما قلنا في علم الأصول، ولكنّه خلاف الظاهر، وهو لا يجوز بدون قرينة، نعم يمكن أن تكون الروايات المذكورة قرينة على ذلك). 3 - جواز الصلاة، أو عبور المسجد بعد الإِغتسال، هو المبين بقوله: (حتى تغتسلوا). 4 - التيمم لذوي الأعذار، ثمّ تشير الآية إِلى حكم التيمم لذوي الأعذار فتقول: (وإِن كنتم مرضى أو على سفر) وفي هذه العبارة من الآية قد اجتمعت - في الحقيقة - كل موارد التيمم، فالمورد الأوّل هو ما إِذا كان في استعمال الماء ضرر على البدن، والمورد الآخر هو ما إِذا تعذر على الإِنسان الحصول على الماء (أم لم يمكن استعماله) وبقوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء)إشارة إِلى علل الإِحتياج إِلى التيمم وأسبابه، ومعناه إِذا أحدثتم حدثاً أو جامعتم النساء (فلم تجدوا ماء) أي لم تقدروا على تحصيل الماء أو استعماله (فتيمموا صعيداً طبياً). ثمّ أنّه سبحانه يبيّن طريقة التيمم بقوله: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم). ثمّ أنّه في ختام الآية يشير إِلى حقيقة أنّ الحكم المذكور ضرب من التخفيف عنكم، لأنّ الله كثير الصفح كثير الستر لذنوب عبادة (إنّ الله كان عفواً غفوراً). بحوث عند الآية هنا لابدّ من التنبيه إِلى نقاط عديدة: 1 - إِنّ عبارة (فلم تجدوا ماء) المبدؤة بفاء التفريع ترتبط بعبارة (أو على سفر) يعني أنّكم إِذا كنتم في سفر ولم تجدوا ماء للوضوء أو الغسل، فتحتاجون إِلى التيمم، لأنّ الإِنسان قلما تتفق له هذه الحالة وهو في البلد، ومن هنا يتبيّن بطلان ما قاله بعض المفسّرين - مثل صاحب المنار - من أن مجرّد السفر وحده كاف للتكليف بالتيمم بدل الوضوء حتى لو كان الشخص المسافر واجداً للماء، فإِنَّ فاء التفريع في قوله (فلم تجدوا) يبطل هذا الكلام، لأنّ المفهوم منه هو أنّ السفر قد يوجب أحياناً عدم التمكن من الماء، وهنا لا مناص من التيمم، لا أنّ السفر بوحده يسوغ التيمم، والعجب أنّ الكاتب المذكور تحامل على فقهاء الإِسلام في هذا المجال من دون مبرر لهذا التحامل. 2 - إنّ كلمة (أو) في قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) هي بمعنى (الواو) لأن مجرّد المرض أو السفر لا يوجب التيمم، بل يجب التيمم إِذا تحققت موجبات التيمم أو الغسل في هذا الحال. 3 - إِنّ "العفة في البيان" المعهودة من القرآن دفعت بالقرآن في هذه الآية - كما في الآيات الكثيرة الاُخرى - إِلى أن يعبّر عن قضاء الحاجة بعبارة تفهم المراد من جانب، ولا تكون غريبة وغير مناسبة من جانب آخر إِذ يقول: (أو جاء أحد منكم من الغائط). وتوضيح ذلك أنّ "الغائط" ـ خلاف ما يفهم منه هذا اليوم - يعني في أصل اللغة المنخفض من الأرض الذي كان يقصده الإِنسان وسكان الصحارى والمسافرون في تلك العهود لقضاء الحاجة فيه ليسترهم عن أعين الناظرين، وعلى هذا يكون معنى هذه الجملة هو: إِذا عاد أحدكم من المكان المنخفض من الأرض الذي هو في جملته كناية عن قضاء الحاجة. والملفت للنظر أن القرآن استعمل لفظة "أحد منكم" بدل ضمير الجمع المخاطب المصدر بالفعل أي "جئتم" ليحافظ على خصيصة "عفة البيان" التي تجلى بها القرآن الكريم أكثر فأكثر. وهكذا الحال عند ما يتحدّث عن الجماع فإِنّ القرآن يشير إِلى هذا الموضوع بعبارة (أو لامستم النساء) ولفظة اللمس كناية جميلة عن المقاربة الجنسية. 4 - سنتحدث بتفصيل حول بقية خصوصيات التيمم عند تفسير قوله تعالى: (صعيداً طيباً) في ذيل الآية (رقم 6) من سورة المائدة إِن شاء الله. فلسفة التيمم: يتساءل كثيرون: ما الفائدة من ضرب اليدين بالتراب ومسح الجبين وظهر اليدين بهما خاصّة أنّنا نعلم أن كثيراً من الأتربة ملوثة، وناقلة للميكروبات والجراثيم؟ في جواب هذه الأسئلة نشير إِلى نقطتين مهمتين: الأُولى: الفائدة الخلقية، فإِن التيمم إحدى العبادات، وتتجلى فيها روح العبادة بكل معنى الكلمة، لأن الإِنسان يمس جبهته التي هي أشرف الأعضاء في بدنه بيديه المتربتين ليظهر بذلك خضوعه لله وتواضعه في حضرته ولسان حاله يقول: يا ربّي إِنّ جبهتي وكذا يداي خاضعات أمامك إِلى أبعد حدود الخضوع والتواضع، ثمّ يتوجه عقيب هذا العمل إِلى القيام بالصلاة وسائر العبادات المشروطة بالغُسل والوضوء، وبهذا الطريق يزرع التيمم في نفس الإِنسان روح الخضوع لله، وينمي فيه صفة التواضع في حضرة ذي الجلال، ويدرّبه على العبودية له سبحانه، والشكر لأنعمه تعالى. الثّانية: الفائدة الصحية، فقد ثبت اليوم بأنّ التراب بحكم احتوائه على كميات كبيرة من البكتريا تزيل التلوثات، إِن البكتريات الموجودة في التراب والتي تعمل على تحليل الموارد العضوية وإبادة كل أنواع العفونة، توجد - في الأغلب - بوفرة في سطح الأرض، والأعماق القريبة التي يمكن لها الإِنتفاع بنور الشمس والهواء بصورة أكثر، ولهذا عند ما تدفن جثث الأموات من البشر أو الحيوان في الأرض، وكذا ما يشابهها من المواد العضوية، نجدها تتحلل في مدّة قصيرة تقريباً وتتلاشى بؤر التعفن على أثر هجوم البكتريات عليها، ومن المسلّم أنّ هذه الخاصّية لو لم تكن في التربة لتحولت الكرة الأرضية في مدّة قصيرة إِلى بؤرة عفونة قاتلة. إِنّ للتربة خاصّية تشبه مواد "الأنتوبيوتيك" التي لها أثر فعال جدّاً في قتل وإِبادة الميكروبات. وعلى هذا لا يكون التراب عارياً عن التلوث فقط، بل هو مطهر فعال للتلوثات، ويمكنه - من هذه الجهة - أن يحل محل الماء بفارق واحد، هو أن الماء يحلل الميكروبات، ويذهب بها معه، في حين أن مفعول التراب يقتصر على قتل الميكروبات فقط. ولكن يجب الإِنتباه إِلى أنّ التراب الذي يستعمل في التيمم يجب أن يكون طاهراً نظيفاً، كما أشار اليه القرآن الكريم في تعبيره الجميل إِذا يقول: (طيباً). والجدير بالإِنتباه أنّ التعبير بـ"الصعيد" المشتق من "الصعود" يشير إِلى أن أفضل أنواع التربة الذي ينبغي أن تختاره للتيمم هو التربية الموجودة في سطح الأرض، يعني تلك التربة التي هي عرضة لأشعة الشمس والمليئة بالهواء والبكتريا المبيدة للميكروبات، فإِذا كانت تلك التربة المستعملة في التيمم طيبة وطاهرة أيضاً كان التيمم بها ينطوي على الآثار المذكورة من دون أن يكون فيه أي ضرر أو أية مضاعفات. (وسنتحدث في هذا المجال أيضاً عند تفسير المقطع الأخير من الآية (رقم 6) في سورة المائدة). ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ﴾ أي مواضعها أو لا تصلوا مبالغة في النهي ﴿وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ من نحو نوم أو خمر وكل ما يمنع من حضور القلب ﴿حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ في الصلاة ﴿وَلاَ جُنُبًا﴾ عطف على ﴿وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ إذ محله النصب على الحال ﴿إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ مجتازين أي لا تدخلوا المساجد جنبا في عامة الأحوال إلا حال الاجتياز ﴿حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ﴾ غاية النهي عن القرب حال الجنابة ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى﴾ مرضا يضره الماء أو يعجز عن تناوله ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ تفقدونه فيه ﴿أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ﴾ هو المطمئن من الأرض كنى به عن الحدث ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء﴾ أي جامعتموهن ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء﴾ متعلق بكل من الأربع أي لم تتمكنوا من استعماله ﴿فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ فاقصدوا شيئا من وجه الأرض طاهرا مباحا قيل: وإنما نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين وبين المحدثين والمجنبين، والمرض والسفر سببان من أسباب الرخصة والحدث سبب لوجوب الوضوء والجنابة لوجوب الغسل لأنه سبحانه أراد أن يرخص لمن وجب عليهم التطهير إذا عدموا الماء في التيمم فخص أولا مرضاهم ومسافريهم لكثرة المرض والسفر ثم عمم كل من وجب عليه التطهير إذا عدموا الماء من هؤلاء وغيرهم ﴿فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ﴾ أي بعضها وهو الجبهة والجبينان إلى طرف الأعلى كما في السنة ﴿وَأَيْدِيكُمْ﴾ ظهرها من الزند إلى أطراف الأصابع ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ فلذا خفف.