وربّما كان هذا هو السبب في أن تتحدث الآية التالية عن عظمة القرآن مباشرة فتقول: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) (1).
"العزيز" هو القوي الذي لا يقهر، و"الحكيم" هو العارف بأسرار كلّ شيء، وتقوم كل أفعاله على أساس الحكمة والدقة، ومن الواضح أنّ الحكمة التامة والقوّة اللامحدودة من لوازم تنزيل مثل هذا الكتاب العظيم، وهما غير موجودتين إلاّ في الله العزيز المتعال.
والطريف أنّ هذه الآية قد وردت على هذه الهيئة في بداية أربع سور من القرآن الكريم، ثلاث منها من الحواميم - وهي المؤمن والجاثية والأحقاف - والأُخرى من غير الحواميم، وهي سورة الزمر.
وهذا التكرار والتأكيد يهدف إلى جلب انتباه الجميع إلى عمق أسرار القرآن وعظمة محتواه، لئلا ينظروا ببساطة وعدم تدبر إلى أية عبارة أو تعبير من تعابيره، ولئلا يظنوا أنّ هذه الكلمة أو تلك لا محل لها ولا فائدة من ذكرها، لكي لا يقنعوا بحدّ معين من فهمه وإدراكه، بل ينبغي أن يكونوا في سعي دؤوب للتوصل إلى أعمق ممّا أدركوه.
وهنا نكتة تستحق الإلتفات، وهي أنّ صفة (العزيز) قد وردت أحياناً لوصف نفس القرآن، مثل: (وإنه لكتاب عزيز) (2)، فإنّه عزيز لا تصل إليه أيدي الذين يقولون بعدم فائدته، ولا ينقص مر الزمان من أهميته، ولا تبلى حقائقه ولا تفقد قيمتها، ويفضح المحرفين أو من يحاول تحريفه، ويشق طريقه إلى الأمام دائماً رغم كل ما يوضع أمامه من عراقيل.
وقد تأتي هذه الصفة في حق منزله جل وعلا، كما في هذه الآية، وكلاهما صحيح.
﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ هو كأول سورة المؤمن.