ثمّ يأتيهم الخطاب من قبل الله مرّة أُخرى، فيقول مؤكّداً: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) فقد كنتم تفعلون كلّ ما يحلو لكم، ولم تكونوا تصدقون مطلقاً أنّ كلّ أعمالكم هذه تسجل في مكان ما، ولكن (إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون).
"نستنسخ" من مادة "إستنساخ"، وهي في الأصل مأخوذة من النسخ، وهو إزالة الشيء بشيء آخر، فيقال مثلاً: نسخت الشمس الظل.
ثمّ استعملت في كتابة كتاب عن كتاب آخر من دون أن يمحى الكتاب الأوّل.
وهنا يبدو سؤال، وهو: إذا كان الله سبحانه قد أمر باستنساخ أعمال ابن آدم، ذلك يستلزم أن يكون هناك كتاب قبل النسخ تكتب فيه تلك الأعمال؟ ولذلك فإنّ البعض يعتقد أنّ صحائف أعمال كلّ البشر قد كتبت في اللوح المحفوظ، والملائكة الموكلون بحفظ أعمال الإنسان يستنسخونها من ذلك اللوح المحفوظ.
إلاّ أنّ هذا المعنى لا يتلاءم كثيراً مع الآية مورد البحث، بل الملائم أحد معنيين هما: إمّا أن يكون الإستنساخ هنا بمعنى أصل الكتابة - كما قاله بعض المفسّرين ـ، أو أنّ نفس أعمال الإنسان كالكتاب التكويني تنسخ عنه الملائكة الحفظة وتصوره، ولذلك فقد ورد في آيات أُخر من القرآن الكريم التعبير بالكتابة بدل الإستنساخ، كما نقرأ ذلك في الآية (12) من سورة يس: (إنّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم) (3).
وقد ورد تفصيل أوسع حول أنواع الكتب التي تسجل فيها الأعمال - صحيفة الأعمال الشخصية، وصحيفة أعمال الأُمم، والكتاب الجامع العام لكلّ أفراد البشر - في ذيل الآية (12) من سورة يس.
﴿هَذَا كِتَابُنَا﴾ الذي كتبته الحفظة بأمرنا ﴿يَنطِقُ﴾ يشهد ﴿لَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.