والأشد أسفاً من ذلك أنّه: (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين).
أمّا المعبودات من العقلاء، فإنّهم سيهبون لإظهار عدائهم لهؤلاء الضالين، فالمسيح (ع) يظهر اشمئزازه وتنفره من عابديه، وتتبرأ الملائكة منهم، بل وحتى الشياطين والجن تظهر عدم رضاها.
وأمّا المعبودات التي لا عقل لها ولا حياة، فإنّ الله سبحانه سمنحها العقل والحياة لتنطق بالبراءة من هؤلاء العبدة وتبدي غضبها عليهم.
لقد ورد نظير هذا المعنى في آيات القرآن الأُخرى، ومن جملتها الآية (14 من سورة فاطر، حيث تقول: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير).
وكررت في الآيات مورد البحث كلّ هذه المسائل بتفاوت يسير.
لكن كيف ينكر المعبودون عبادة عابديهم، وهي ممّا لا ينكر؟
ربّما كان ذلك إشارة إلى أنّهم كانوا يعبدون أهواءهم في الحقيقة، ولم يكونوا يعبدون تلك الآلهة، لأنّ أساس الوثنية عبادة الهوى.
وهنا نكتة تستحق الإنتباه، وهي: إنّ عداء المعبودين لعبدتهم يوم القيامة لم يرد التأكيد عليه هنا فقط، بل نقرأ ذلك أيضاً في الآية (25) من سورة العنكبوت على لسان إبراهيم (ع) بطل التوحيد ومحطم الأصنام إذ يقول: (وقال إنّما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودّةً بينكم في الحياة الدنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً).
وجاء في الآية (82) من سورة مريم: (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً).
﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا﴾ أي الأصنام ﴿لَهُمْ﴾ لعبدتها ﴿أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ جاحدين بلسان حالهم أو مقالهم.