غير أنّ هؤلاء لم يكتفوا بإطلاق هذه التهمة وإلصاقها به، بل إنّهم تمادوا فخطوا خطوةً أوسع، وأكثر صراحةً: (أم يقولون افتراه).
إنّ الله سبحانه يأمر نبيّه هنا بأن يجيبهم بجواب قاطع، ويعطيهم البرهان الجلي بأنّه قل لهم إذا كان كذلك فاللازم أن يفضحني ولا تستطيعون الدفاع عنّي مقابل عقابه: (قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئاً) (1) فكيف يمكن أن يظهر الله سبحانه هذه الآيات البينات والمعجزة الخالدة على يد كذّاب؟ إنّ هذا بعيد عن حكمة الله ولطفه.
وهذا كما ورد في الآيات (44 - 47) من سورة الحاقة: (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين).
بناءً على هذا، هل يمكن أن أقدم على مثل هذا العمل الخطير من أجلكم؟ وكيف تصدّقون أنّ بالإمكان أن أكذب مثل هذه الكذبة ثمّ يبقيني الله حياً، بل ويمنحني معاجز أخر؟
ثمّ يضيف مهدداً: (هو أعلم بما تفيضون فيه) (2) وسيعاقبكم في الوقت اللازم.
نعم، إنّه يعلم كلّ ما رميتموني به من التهم، وأنّكم وقفتم بوجه رسوله، وكنتم تصدون الناس عن الإيمان بالحق بنفثكم السموم بينهم.
ثمّ يقول في الجملة التالية كتأكيد أكبر مقترن بتعامل مؤدب جدّاً: (كفى به شهيداً بيني وبينكم) فهو يعلم صدق دعوتي، وسعيي وجهدي في إبلاغ الرسالة، كما يعلم كذبكم وافتراءكم والعوائق التي تضعونها في طريقي، وهذا كاف لي ولكم.
ومن أجل أن يدلهم على طريق الرجوع إلى الحق، ويعلمهم بأنّه مفتوح إن أرادوا العودة، يقول: (وهو الغفور الرحيم) فهو يعفو عن التائبين ويغفر لهم، ويدخلهم في رحمته.
﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ إنكار تعجب من حالهم ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ﴾ فرضا ﴿فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ﴾ من عذابه ﴿شَيْئًا﴾ أي لا تقدرون على دفعه عني فكيف أفتري عليه ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ﴾ تندفعون ﴿فِيهِ﴾ من الطعن في القرآن ﴿كَفَى بِهِ﴾ تعالى ﴿شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ فيصدقني ويكذبكم ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ لمن تاب وآمن.