لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول ذكر المفسّرون أسباب نزول عديدة للآية الأولى من هذه الآيات: 1 - إنّ هذه الآية نزلت في "أبي ذر الغفاري" الذي أسلم في مكّة، ثمّ تابعته في الإيمان قبيلته - بنو غفار - ولما كانت قبيلة بني غفار من سكان البادية وكانوا فقراء، قال كفار قريش - وكانوا أثرياء من أهل المدن -: لو كان الإسلام خيراً ما سبقنا إليه غفار الحلفاء، فنزلت هذه الآية وأجابتهم. 2 - كانت في مكّة جارية رومية يقال لها "زنيرة" (1)، لبت دعوة النّبي (ص) إلى الإسلام، فقال زعماء قريش: لو كان ما جاء به محمّد خيراً ما سبقتنا إليه زنيرة. 3 - إنّ جماعة من قبائل البوادي أسلموا قبل سكان مكّة، فقال أشراف مكّة: لو كان الإسلام خيراً ما سبقتنا إليه رعاة الإبل. 4 - إنّ جماعة من الرجال الطاهرين والفقراء كبلال وصهيب وعمار، قد اعتنقوا الإسلام، فقال زعماء مكّة: أيمكن أن يكون دين محمّد خيراً ويسبقنا إليه هؤلاء؟ 5 - إنّ عبد الله بن سلام وجماعة من أصحابه لما آمنوا، قال جماعة من اليهود: لو كان دين محمّد خيراً ما سبقونا إليه (2). ويمكن تلخيص أسباب النّزول الأربعة الأولى بالقول بأنّ الإسلام لاقى ترحيباً واسعاً وامتداداً سريعاً بين الطبقات الفقيرة وسكان البوداي، وذلك لأنّهم لم يكونوا يمتلكون منافع غير مشروعة لتهدد بالخطر، ولم يكن الغرور قد ركبهم وملأ عقولهم، وقلوبهم أطهر من قلوب المترفين ومتبعي الشهوات والرغبات. لقد عدّ الإقبال الواسع على الإسلام من قبل هذه الفئة، والذي كان يشكل أقوى نقاط هذا الدين، نقطة ضعف كبيرة من قبل المستكبرين فقالوا: أي دين هذا الذي يتبعه سكان البوادي والفقراء والحفاة والجواري والعبيد؟ إذا كان ديناً مقبولاً ومعقولاً فلا ينبغي أن يكون أتباعه من طبقة فقيرة واطئة اجتماعياً، ونتخلف نحن أعيان المجتمع وأشرافه عن اتباعه. والطريف أنّ نمط التفكير المنحرف هذا من أكثر أنماط التفكير رواجاً اليوم بين الأثرياء والمترفين فيما يتعلّق بالدين، حيث يقولون: إنّ الدين ينفع الفقراء والحفاة، وكلّ منهما ينفع صاحبه وينسجم معه، ونحن في مستوى أسمى منه وأعلى. وقد أجاب القرآن هؤلاء جواباً شافياً كافياً سيتّضح في تفسير هذه الآيات. أمّا سبب النّزول الخامس الذي ذكر أعلاه، والقائل بأنّ المراد هو عبد الله بن سلام وأصحابه، فمع أنّه نقل عن أكثر المفسّرين على قول الطبرسي في مجمع البيان، والقرطبي في تفسيره، إلاّ أنّه يبدو بعيداً من جهتين: الأولى: إنّ التعبير بـ (الذين كفروا) بصورة مطلقة يستعمل عادةً في مورد المشركين، لا في أهل الكتاب واليهود والنصارى. والأُخرى: إنّ عبد الله بن سلام لم يكن رجلاً مجهولاً أو ضعيف الشخصية بين اليهود ليقولوا فيه: إنّ الإسلام لو كان خيراً ما سبقنا هذا وأصحابه إليه. التّفسير شرط الإنتصار الإيمان والإستقامة: تستمر هذه الآيات في تحليل أقوال المشركين وأفعالهم، ثمّ تقريعهم وملامتهم بعد ذلك، فتشير أوّلاً إلى ما نطق به هؤلاء من كلام بعيد عن المنطق السليم، مبنيّ على أساس الكبر والغرور، فتقول: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه) (3). فما هؤلاء إلاّ حفنة من الفقراء الحفاة من سكان القرى، والعبيد الذين لاحظ لهم من العلم والمعرفة إلاّ القليل، فكيف يمكن أن يعلم هؤلاء الحق وأن يقبلوا عليه ونحن - أعيان المجتمع وأشرافه - في غفلة عنه؟ لقد غفل هؤلاء عن أن العيب فيهم لا في الإسلام، فلو لا حجب الكبر والغرور الملقاة على قلوبهم ولولا أنّهم سكرى من خمرة المال والجاه والمقام، ولولا أنّ غرورهم وتكبرهم يمنعهم من التحقيق في أمر هذا الدين، إذن لانجذبوا بسرعة إلى الإسلام كما انجذب الفقراء إليه. ولذلك فإنّ الآية تجيبهم في نهايتها بهذا التعبير اللطيف: (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم) (4) أي إنّ هؤلاء ما أرادوا أن يهتدوا بآيات القرآن، لا أن القصور في قابلية القرآن على الهداية. والتعبير بـ "الإفك القديم" شبيه بتهمة أُخرى حكيت عنهم في آيات القرآن الأُخرى، إذ قالوا: (أساطير الأولين) (5). جملة "سيقولون" بصيغة المضارع، تدل على أنّهم كانوا يرمون القرآن بهذه التهمة دائماً، وكانوا يتخذون هذا الإتهام غطاء لعدم إيمانهم. ثمّ تطرقت الآية إلى دليل آخر لإثبات كون القرآن حقاً، ولنفي تهمة المشركين إذ كانوا يقولون: هذا إفك قديم، فقالت: إنّ من علامات صدق هذا الكتاب العظيم أنّ كتاب موسى الذي يعتبر إماماً أي قدوة للناس ورحمة قد أخبر عن هذا النبي وصفاته. ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ في شأنهم ﴿لَوْ كَانَ﴾ أي ما أتى به محمد ﴿خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ ونحن أرفع منهم ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ﴾ حذف عامله أي ظهر عنادهم ﴿فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ أساطير الأولين.