التّفسير
المؤمنون أنصار الحق، والكافرون أنصار الباطل:
إنّ هذه الآيات الثلاث تعتبر في الحقيقة مقدمة لأمر حربي مهم صدر في الآية الرابعة، فبيّنت الأُولى منها وضع الكافرين وحالهم، والثانية حال المؤمنين، وقارنت ثالثتهما بين الإثنين، وذلك لتتهيأ الأرضية والإستعداد للجهاد الديني ضد الأعداء الظالمين العتاة باتضاح حال الفئتين.
تقول الآية الأولى: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) وهي إشارة إلى زعماء الكفر ومشركي مكّة الذين كانوا يشعلون نار الحروب ضد الإسلام، ولم يكتفوا بكونهم كفاراً، بل كانوا يصدون الآخرين عن سبيل الله بأنواع الحيل والخدع والمخططات.
ومع أنّ بعض المفسّرين - كالزمخشري في الكشّاف - فسّر "الصدّ" هنا بمعنى الإعراض عن الإيمان، في مقابل الآية التالية التي تتحدث عن الإيمان، إلاّ أنّ الإحاطة بموارد استعمال هذه الكلمة في القرآن الكريم توجب الحفاظ على معناها الأصلي، وهو المنع.
والمراد من: (أضلّ أعمالهم) أنّه يحبطها ويجعلها هباءً منثوراً، لأنّ الإحباط والإضاعة كناية عن بقاء الشيء بدون حماية ولا عماد، ولازم ذلك زواله وفناؤه.
وعلى أية حال، فإنّ بعض المفسّرين يرون أنّ هذه الجملة إشارة إلى الذين نحروا الأبل يوم بدر وأطعموها الناس، إذ نحر أبو جهل عشرة من الأبل، ومثله صفوان، وسهيل بن عمر، لإطعام جيش الكفر (1).
لكن لمّا كانت هذه الأعمال من أجل التفاخر ومكائد الشيطان فقد أحبطت جميعاً.
غير أنّ الظاهر أنّها لا تنحصر بهذا المعنى، بل إنّ كلّ أعمالهم التي قاموا بها، وظاهرها معونة للفقراء والضعفاء، أو إقراء للضيف، أو غير ذلك، ستحبط لعدم إيمانهم.
وبغض النظر عن ذلك، فإنّ الله سبحانه قد أحبط كلّ مؤامراتهم وما قاموا به من أعمال لمحو الإسلام والقضاء على المسلمين، وحال بينهم وبين الوصول إلى أهدافهم الخبيثة.
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي ضلوا وأضلوا ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أبطلوا أعمالهم كصلة الأرحام وإطعام الطعام ونحوهما.