والآية التالية وصف لوضع المؤمنين الذين يقفون في الصف المقابل للكافرين الذين وردت صفاتهم في الآية السابقة، فتقول: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزّل على محمّد وهو الحق من ربّهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) (2).
إنّ ذكر الإيمان بما نزل على نبيّ الإسلام (ص) بعد ذكر الإيمان بصورة مطلقة، تأكيد على تعليمات هذا النّبي العظيم ومناهجه، وهو من قبيل ذكر الخاص بعد العام، وتبيان لحقيقة أنّ الإيمان بالله سبحانه لا يتمّ أبداً بدون الإيمان بما نزل على النّبي (ص).
ويحتمل أيضاً أن تكون الجملة الأولى إشارة إلى الإيمان بالله تعالى، ولها جانب عقائدي، وهذه الجملة إشارة إلى الإيمان بمحتوى الإسلام وتعليمات النّبي (ص)، ولها الجانب العملي.
وبتعبير آخر، فإنّ الإيمان بالله سبحانه لا يكفي وحده، بل يجب أن يؤمنوا بما نزل على النّبي (ص)، وأن يكون لهم إيمان بالقرآن، إيمان بالجهاد، إيمان بالصلاة والصوم، وإيمان بالقيم الأخلاقية التي نزلت عليه.
ذلك الإيمان الذي يكون مبدأ للحركة، وتأكيداً على العمل الصالح.
وممّا يستحق الإنتباه أنّ الآية تقول بعد ذكر هذه الجملة: (وهو الحق من ربّهم) وهي تعني أنّ إيمانهم لم يكن تقليداً، أو أنّه لم يقم على دليل وحجة، بل إنّهم آمنوا بعد أن رأوا الحق فيه.
وعبارة (من ربّهم) تأكيد على حقيقة أنّ الحق يأتي دائماً من قبل الله سبحانه، فهو يصدر منه، ويعود إليه.
والجدير بالإلتفات إليه أنّ الآية تبيّن ثوابين للمؤمنين الذين يعملون الصالحات، في مقابل العقابين اللذين ذكرا للكفار الصادين عن سبيل الله: أولهما: التكفير عن السيئات التي لا يخلو منها أي إنسان غير معصوم، والثاني: إصلاح البال.
لقد جاء "البال" بمعان مختلفة، فجاء بمعنى الحال، العمل، القلب، وعلى قول الراغب: بمعنى الحالات العظيمة الأهمية، وبناءً على هذا فإنّ إصلاح البال يعني تنظيم كلّ شؤون الحياة والأُمور المصيرية، وهو يشمل - طبعاً - الفوز في الدنيا، والنجاة في الآخرة، على عكس المصير الذي يلاقيه الكفار، إذ لا يصلون إلى ثمرة جهودهم ومساعيهم، ولا نصيب لهم إلاّ الهزيمة والخسران بحكم: (أضلّ أعمالهم).
ويمكن القول بأنّ غفران ذنوبهم نتيجة إيمانهم، وأنّ إصلاح بالهم نتيجة أعمالهم الصالحة.
إنّ للمؤمنين هدوءاً فكرياً واطمئناناً روحياً من جهة، وتوفيقاً ونجاحاً في برامجهم العملية من جهة ثانية، فإنّ لإصلاح البال إطاراً واسعاً يشمل الجميع، وأي نعمة أعظم من أن تكون للإنسان روح هادئة، وقلب مطمئن، وبرامج مفيدة بنّاءة.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ بالهجرة والنصرة وغيرهما ﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾ أي القرآن تخصيص بعد تعميم للتعظيم المؤكد باعتراض ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾ الثابت ﴿مِن رَّبِّهِمْ﴾ فهو ناسخ لا ينسخ ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ حالهم في دينهم ودنياهم.