وتناولت آخر آية - من الآيات مورد البحث - سبب حماية الله المطلقة للمؤمنين ودفاعه عنهم، وإهلاكه الكافرين الطغاة، فتقول: (ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم) (6).
"المولى" بمعنى الولي والناصر، وبذلك فإنّ الله سبحانه قد تولّى أمر المؤمنين ونصرتهم، أمّا الكافرون فقد أخرجهم من ظل ولايته، ومن الواضح أنّه تعالى يعين أُولئك المستظلين بظل ولايته، ويدفع عنهم النوائب، ويزيل عن طريقهم العراقيل، ويثبّت أقدامهم، وأخيراً فإنّهم ينالون مرادهم بنصرة الله ومعونته.
أمّا أُولئك الخارجون عن ولايته فإنّ أعمالهم ستحبط، وتكون عاقبتهم الهلاك.
وهنا يأتي سؤال، وهو: إنّ الآية مورد البحث قد ذكرت أنّ الله سبحانه مولى المؤمنين فقط، في حين أنّه سبحانه وصف في بعض آيات القرآن الأُخرى بأنّه مولى الجميع حتى الكافرين، كما في الآية (30) من سورة سورة يونس حيث تقول: (وردّوا إلى الله مولاهم الحق وضلّ عنهم ما كانوا يفترون).
وتتّضح الإجابة على هذا السؤال بملاحظة نكتة واحدة، وهي: إنّ ولاية الله العامّة - وهي كونها خالقاً مدبّراً - تعم الجميع، أمّا الولاية الخاصّة، وعنايته الخاصة المقترنة بأنواع الحماية والنصرة، فإنّها لا تشمل إلاّ المؤمنين (7).
وقال البعض: إنّ هذه الآية أرجى آية في القرآن، لأنّها أدخلت كلّ المؤمنين، العالم منهم والجاهل، الزاهد والراغب، الصغير والكبير، المرأة والرجل، الشاب والكهل، أدخلتهم تحت حماية الله ورعايته الخاصة، ولم تستثنِ حتى المؤمنين العاصين، فهو سبحانه يظهر رعايته في المواقف الحسّاسة واللحظات الحرجة، والحوادث والمصائب والنكبات، وكلّ فرد منّا قد أحسَّ بهذه الرعاية طيلة مدة حياته، وفي التأريخ شواهد كثيرة على ذلك.
وقد ورد في حديث أنّ النّبي (ص) كان بعد غزوة تحت شجرة وحيداً فحمل عليه مشرك بسيف فقال له: من يخلّصك منّي؟ فقال النّبي (ص): "الله" فسقط المشرك - فأخذت الكافر رعدة، وهوى على الأرض - السيف، فأخذه النّبي (ص) وقال له: "فمن يخلّصك منّي"؟ قال: لا أحد، ثمّ أسلم (8).
نعم، الله مولى الذين آمنوا، وإنّ الكافرين لا مولى لهم.
﴿ذَلِكَ﴾ أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين ﴿بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ناصرهم ﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾.