وبعد أن تبيّن حال المنافقين، والخطوط العامة لأوضاعهم، وجّهت الآية التالية الخطاب إلى المؤمنين مبيّنة خطهم وحالهم، فقالت: (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالهكم).
في الواقع، إنّ أسلوب حياة المؤمنين وبرنامجهم يقع في الطرف المقابل للكفار والمنافقين في كلّ شيء، فهؤلاء يعصون أمر الله سبحانه، وأُولئك يطيعونه، هؤلاء يعادون النبي، وأولئك يطيعون أمرهو هؤلاء تحبط أعمالهم لكفرهم وريائهم ومنّتهم، أمّا أولئك فإنّ أعمالهم محفوظة عند الله سبحانه وسيثابون عليها، لاجتنابهم هذه الأُمور.
وعلى كلّ حال، فإنّ أُسلوب الآية يوحي بأنّ من بين المؤمنين أفراداً كانوا قد قصروا في طاعة الله ورسوله وفي حفظ أعمالهم عن التلوث بالباطل، ولذلك فإنّ الله سبحانه يحذّرهم في هذه الآية.
والشاهد لهذا الكلام سبب النّزول الذي ذكره البعض لهذه الآية، وهو: إنّ "بني أسد" كانوا قد أسلموا وأتوا رسول الله (ص) فقالوا: إنّنا نؤثرك على أنفسنا، ونحن وأهلونا رهن إشارتك وأمرك.
غير أنّ أسلوبهم في الكلام كانت تلوح منه المنّة، فنزلت الآية أعلاه، وحذّرتهم من ذلك.
واستدل بعض الفقهاء بجملة: (ولا تبطلوا أعمالكم) على حرمة قطع الصلاة، ولكنّ الآية مورد البحث وما قبلها وما بعدها شاهدة على أنّها لا تتعلق بهذا الأمر، بل عدم الإبطال عن طريق الشرك والرياء والمن وأمثال ذلك.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ بما ينافي الإخلاص من عجب وكفر ورياء ومن وأذى.