لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وحيث أنّ هذه الأخطاء مصدرها عدم الإيمان فإنّ القرآن يصرّح في الآية التالية قائلاً: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنّا اعتدنا للكافرين سعيراً) (2)... و"السعير" معناه اللهيب. وفي آخر آية من الآيات محل البحث يقول القرآن ومن أجل أن يثبت قدرة الله على معاقبة الكفار والمنافقين: (ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء وكان الله غفوراً رحيماً). وممّا يسترعي النظر أنّ موضوع المغفرة مقدّم هنا على العذاب، كما أنّ في آخر الآية تأكيداً على المغفرة والرحمة أيضاً، وذلك لأنّ الهدف من هذه التهديدات جميعاً هو التربية، وموضوع التربية يوجب أن يكون طريق العودة مفتوحاً بوجه الآثمين حتى الكفار. وخاصةً أنّ أساس كثير من هذه الأُمور السلبية هو الجهل وعدم الإطلاع - فينبغي أن يُبعث في مثل هؤلاء الأفراد الأمل على المغفرة بمزيد من الرجاء، فلعلّهم يؤوبون نحو السبيل!. ملاحظة تعليل الذنب وتوجيهه مرض عامٌ: مهما كان الذنب كبيراً فإنّه ليس أكبر من تبريره وتوجيهه، لأنّ المذنب المعترف بالذنب غالباً ما يؤوب للتوبة، لكنّ المصيبة تبدأ حين يقوم المذنب بتبرير ذنوبه، فلا ينغلق باب التوبة بوجه الإنسان فحسب بل يتجرّأ على الذنب ويشتدّ على مقارفته! وهذا التعليل أو التوجيه يقع أحياناً لحفظ ماء الوجه وتحسباً من الافتضاح، ولكنّ أسوأ من هذا كلّه حين ينخدع به الضمير و"الوجدان"! وهذا التعليل ليس أمراً جديداً، ويمكن العثور على أمثال له على امتداد التاريخ البشري، وكيف وجّه أكبر مجرمي التاريخ جناياتهم لخداع أنفسهم بتوجيهات مضحكة تجعل كلّ إنسان غارقاً في ذهوله وتعجّبه منها!. والقرآن المجيد الذي يسعى لتربية وصناعة الإنسان يعالج مسائل من هذا الباب كثيرة منها ما قرأناه في الآيات الآنفة - محلّ البحث -. ولا بأس بأن نقف على آيات أُخرى لإكمال البحث في هذا الصدد. 1 - كان العرب المشركون يتذرّعون أحياناً بسيرة السلف لتوجيه شركهم وتبريره وكانوا يقولون: (إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون)! (3). كما كانوا يتذرّعون أحياناً بنوع من الإجبار فكأنّهم مُجبرون! ويقولون: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) (4). 2 - كما كان بعض ضعفاء الإيمان يأتون إلى النّبي أحياناً متذرّعين عن عدم مشاركتهم في الحرب بأن بيوتهم عورة (ويستأذن فريق منهم النّبي يقولون إنّ بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلاّ فراراً) (5). 3 - وربّما تذرّعوا بعدم ذهابهم إلى الحرب لأنّ وجوه نساء الرومان النضرة تسلب قلوبهم وتفتنهم!! (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي)! (6). 4 - وربّما تذرّعوا بانشغالهم بأموالهم وأهليهم ونسائهم فيوجّهون ذنبهم الكبير في الفرار عن طاعة أمر رسول الله (ص) كما هي الحال في الآيات الآنفة - محل البحث -. 5 - والشيطان أيضاً وجّه عدم طاعته لله بمقايسة خاطئة فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)! (7). 6 - وفي العصر الجاهلي ومن أجل أن يوجّهوا ذنبهم الكبير وخطأهم في وأد البنات كانوا يقولون نخشى أن تؤسر بناتنا في الحرب وإن غيرتنا وناموسنا يدعواننا إلى قتلهن ودسّهنّ في التراب! وربّما قالوا إنّما نقتل الأطفال خشية الاملاق كما صرّحت به سورة الإسراء وغيرها في القرآن. كما أنّه يظهر من بعض الآيات أنّ المجرمين يتشبّثون بالكبراء والاقتداء بهم في توجيه ذنوبهم (وقالوا انّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا) (8). والخلاصة إنّ بلاء توجيه الذنب بلاء واسع شمل طائفة عظيمة من الناس عامَّهم وخاصهم، وخطره الكبير أنّه يغلق سُبل الإصلاح في وجوههم وربّما غيّر حتى الواقعيات وأعطاها وجهاً آخر عند المذنبين! فكثير من يوجّه الخوف والجبن بأنّه: إحتياط. والحرص بأنّه تأمين على الحياة في "المستقبل". والتهوّر بأنّه حسم وجرأة. وضعف النفس بالحياء! وعدم الاكتراث بالزهد. وارتكاب الحرام بالحيلة الشرعية. والفرار من تحمّل المسؤولية بعدم ثبوت الموضوع!! والتقصير والتفريط بالقضاء والقدر. وهكذا يغلق الإنسان بيده سبيل نجاته! وبالرغم من أنّ هذه المفاهيم كلاًّ منها له معنى صحيح في محلّه وموقعه، ولكن الإشكال في أنّها حرّفت واتخذت نتيجة مقلوبة، وكم نال المجتمعات البشرية والأُسر والأفراد من أضرار من هذا المنفذ!!... حفظنا الله جميعاً من هذا البلاء العظيم "آمين". ﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ نارا مسعرة ونكر تهويلا ووضع الكافرين موضع الضمير تسجيلا عليهم بالكفر.