التّفسير
رضي الله عن المشتركين في بيعة الرضوان:
ذكرنا آنفاً أنّه في الحديبيّة جرى حوار بين ممثلي قريش والنّبي (ص) وكان من ضمن السفراء "عثمان بن عفان" الذي تشدّه أواصر القُربى بأبي سفيان، ولعلّ هذه العلاقة كان لها أثر في انتخابه ممثلاً عن النّبي (ص) فبعثه إلى أشراف مكّة ومشركي قريش ليطلعهم على أنّ النّبي لم يكن يقصد الحرب والقتال بل هدفه زيارة بيت الله واحترام الكعبة المشرّفة بمعية أصحابه... إلاّ أنّ قريشاً أوقفت عثمان مؤقتاً وشاع على أثر ذلك بين المسلمين أنّ عثمان قد قُتل! فقال النّبي (ص): لا أبرح مكاني هذا حتى أقاتل عدوّي!
ثمّ جاء إلى شجرة هناك فطلب من المسلمين تجديد البيعة تحتها، وطلب منهم أن لا يقصّروا في قتالهم المشركين وأن لا يُولّوا أدبارهم من ساحات القتال (1).
فبلغ صدى هذه البيعة مكّة واضطربت قريش من ذلك بشدّة واطلقوا عثمان.
وكما نعرف فإنّ هذه البيعة عرفت ببيعة الرضوان وقد أفزعت المشركين وكانت منعطفاً في تاريخ الإسلام.
فالآيتان محل البحث تتحدّثان عن هذه القصة فتقول الأولى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة).
والهدف من هذه البيعة الإنسجام أكثر فأكثر بين القوى وتقوية المعنويات وتجديد التعبئة العسكرية ومعرفة الأفكار واختبار ميزان التضحية من قبل المخلصين الأوفياء!
وهذه البيعة أعطت روحاً جديداً في المسلمين لأنّهم أعطوا أيديهم إلى النبيّ وأظهروا وفاءهم من أعماق قلوبهم.
فأعطى الله هؤلاء المؤمنين المضحّين والمؤثرين على أنفسهم نفس رسول الله في هذه اللحظة الحسّاسة والذين بايعوه تحت الشجرة أعطاهم أربعة أجور، ومن أهمّ تلك الأجور والاثابات الأجر العظيم وهو "رضوانه" كما عبّرت عنه الآية (72) من سورة التوبة (ورضوان من الله أكبر)... أيضاً.
ثمّ تضيف الآية قائلة: (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم).
سكينة واطمئناناً لا حدّ لهما، وهم بين سيل الأعداء في نقطة بعيدة عن الأهل والديار والعدو مدجّج بالسلاح، في حين أن المسلمين عُزّل من السلاح "لأنّهم جاؤوا بقصد العمرة لا من أجل المعركة" فوقفوا كالجبل الأشم لم يجد الخوف طريقاً إلى قلوبهم!.
وهذا هو الأجر الثّاني والموهبة الإلهية الأُخرى، وأساساً فإنّ الألطاف الخاصة والإمدادات الإلهية تشمل حال المخلصين والصادقين.
لذلك فإنّنا نقرأ حديثاً عن الإمام الصادق (ع) يقول فيه!: "إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول يا ربّ ارزقني حتى افعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير فإذا علم الله عزَّ وجلَّ ذلك منه بصدق نيّته كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إنّ الله واسع كريم" (2).
وفي ذيل هذه الآية إشارة إلى الأجر الثّالث إذ تقول الآية: (وأثابهم فتحاً قريباً).
أجل، هذا الفتح وهو فتح خيبر كما يقول أغلب المفسّرين (وإن كان يرى بعضهم أنّه فتح مكّة) هو ثالث أجر وثواب للمؤمنين المؤثرين، المضحّين.
والتعبير بـ"قريباً" تأييد على أنّ المراد منه "فتح خيبر"، لأنّ هذا الفتح حدث وتحقّق بعد بضعة أشهر من قضيّة الحديبيّة وفي بداية السنة السابعة للهجرة!
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الخلص ﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ﴾ بالحديبية وبه سميت بيعة الرضوان ﴿تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الإخلاص ﴿فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ﴾ الطمأنينة عليهم ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ فتح خيبر بعد عودهم من الحديبية.