لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير رؤيا النّبي الصادقة: هذه الآية - أيضاً - ترسم جانباً آخر من جوانب قصة الحديبيّة المهمّة، والقصة كانت على النحو التالي: رأى النّبي (ص) في المدينة رؤيا أنّه يدخل مكّة مع أصحابه لأداء مناسك العمرة، فحدّث أصحابه عن رؤياه فسُرّوا جميعاً، غير أنّه لمّا كان جماعة من أصحابه يتصوّرون أنّ تعبير الرؤيا سيتحقق في تلك السنة ذاتها ومنعهم المشركون من الدخول إلى مكّة أصابهم الشك والتردّد... ترى هل من الممكن أن تكون رؤيا النّبي غير صادقة؟ ألم يكن البناء أن نعتمر هذا العام؟! فأين هذا الوعد؟ وأين صارت هذه الرؤيا الرحمانية؟! فكان جواب النّبي لهم: هل قلت لكم أنّ هذه الرؤيا ستتحقق هذا العام؟! فنزلت الآية الآنفة في هذا الصدد والنّبي عائد من الحديبية إلى المدينة وأكّدت أنّ هذه الرؤيا كانت صادقة ولابدّ أنّها كائنة... تقول الآية: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) (1) فما رآه النّبي في المنام كان حقّاً وصدقاً. ثمّ تضيف الآية قائلة: (لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا) وكان في هذا التأخير حكمةٌ: (فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً). ملاحظات وفي الآية الكريمة عدّة ملاحظات تلفت النظر: 1 - ينبغي الإلتفات إلى أنّ "اللام" في (لتدخلنّ) هي لام القسم، وأنّ "النون" في آخر الفعل هي للتوكيد، بأنّ هذا هو وعد إلهي قطعي في المستقبل وتنبؤ معجز صريح عن أداء المناسك والعمرة في كامل الأمان ومنتهى الطمأنينة - وكما سنبيّن - كان هذا التوقّع والتنبّؤ صادقاً في شهر ذي القعدة ذاته من السنة المقبلة، وهكذا أدّى المسلمون مناسك العمرة بهذه الصورة! 2 - جملة (إن شاء الله) هنا لعلّها نوع من تعليم العباد لكي يعوّلوا على مشيئة الله عند الإخبار عن المستقبل وأن لا ينسوا إرادة الله، وأن لا يجدوا أنفسهم غير محتاجين أو مستقلّين عنه. وربّما هي إشارة للظروف التي يهيّؤها الله لهذا التوفيق "توفيق الله المسلمين لزيارة بيته في المستقبل القريب" والبقاء على خط "التوحيد والسكينة والتقوى"... كما يمكن أن تكون إشارة إلى بعض المسلمين الذين تنتهي أعمارهم في هذه الفترة والفاصلة الزمانية ولا يوفّقون إلى زيارة بيت الله، والجمع بين هذه المعاني كلها لا مانع منه أبداً... 3 - التعبير بـ (فتحاً قريباً) كما يعتقد كثيرٌ من المفسّرين هو إشارة إلى صلح الحديبيّة الذي عبّر عنه القرآن بالفتح المبين، ونعرف أنّ هذا الفتح كان السبيل إلى دخول المسجد الحرام في السنة التالية. على حين أنّ جماعة آخرين يعتقدون أنّ (فتحاً قريباً) إشارة إلى "فتح خيبر". وبالطبع فإنّ كلمة (قريباً) فيها تناسبٌ أكثر مع "فتح خيبر" لأنّه كان - "تحقّقه العيني" بعد هذه الرؤيا في فترة أقل زمناً من فتح مكّة بعدها، ثمّ بعد هذا فإنّ القرآن يقول في الآية (18) من هذه السورة ذاتها عند الكلام على بيعة الرضوان: (فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً). وكما قلنا - ويعتقد بذلك أكثر المفسّرين أيضاً - أنّ المراد من هذا الفتح هو "فتح خيبر" والقرائن الموجودة في الآية تحكي عن هذا الفتح أيضاً، ومع الإلتفات إلى أنّ الآية محل البحث تنسجم مع تلك الآية فيبدو أنّ الآيتين بمعنى واحد... (2). وفي تفسير علي بن إبراهيم رواية تشير إلى هذا المعنى أيضاً (3). 4 - جملة "محلّقين رؤوسكم ومقصّرين" إشارة إلى واحد من مناسك العمرة وآدابها وهو "التقصير" وبه يخرج المحرم من إحرامه وقد استدل بعضهم بالآية في التخيير عند الخروج من الإحرام بين التقصير في تقليم الأظافرالحلق، لأنّ الجمع بينهما ليس واجباً قطعاً. 5 - جملة "فعلم ما لم تعلموا" إشارة إلى مسائل مهمّة مطوية في صلح الحديبيّة وقد انكشفت بمرور الزمن - إذ قويت قواعد الإسلام وانتشر صوته وترامت اصداؤه في كلّ مكان وطُويت نزعة الحرب عند المسلمين واستطاعوا أن يفتحوا "خيبر" بفارغ البال وقرار البلبال، وأرسلوا المبلّغين إلى أطراف الجزيرة العربية وبعث النّبي (ص) رسائله إلى أعاظم رؤوساء الدول آنئذ، فهذه مسائل كان الفرد المسلم لا يعرفها لكنّ الله كان يعلمها... 6 - نواجه في هذه الآية الكريمة موضوع الرؤيا، وهي رؤيا النّبي (ص) الصادقة التي تعدّ (غصناً من غصون) الوحي وهي مشابهة لقصة رؤيا إبراهيم (ع) وذبح ولده إسماعيل الواردة في سورة الصافات (الآية 102). "ولمزيد الإيضاح وتفصيل البيان حول الرؤيا وتعبير الأحلام من المناسب مراجعة تفسير سورة يوسف في هذا التّفسير". 7 - الآية محل البحث واحدة من المسائل الغيبية التي أخبر عنها القرآن، وهي شاهد على أنّ هذا الكتاب سماويّ وأنّه من معاجز النّبي الكريم حيث يخبرُ قاطعاً عن أداء مناسك العمرة ودخول المسجد الحرام في المستقبل القريب وعن الفتح القريب قبله أيضاً، وكما نعلم أنّ هذين التنبّؤين قد حدثا فعلاً، وقد ذكرنا قصة "فتح خيبر" والآن نتحدّث عن قصة "عمرة القضاء": عمرة القضاء: عمرة القضاء هى العمرة التي أدّاها النّبي (ص) مع أصحابه بعد صلح الحديبيّة بعام، أي في ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة (على وجه الدقّة بعد عام من منع المشركين أن يدخل الرّسول وأصحابه مكّة). وتسمية "عمرة القضاء" بهذا الأسم لأنّها في الحقيقة تعد قضاءً عن السنة السابقة... وتوضيح ذلك: أنّه طبقاً لإحدى مواد معاهدة الحديبيّة أصبح من المقرر أن يؤدّي المسلمون العمرة وزيارة بيت الله في العام المقبل على أن لا يمكثوا في مكّة أكثر من ثلاثة أيام، وفي الوقت ذاته يخرج المشركون من مكّة ورؤساء قريش أيضاً، لئلا يقع نزاع محتمل بين الطرفين ولئلا يروا المسلمين يؤدّون المناسك فيثيرهم منظر العبادة "التوحيدية". وقد ورد في بعض التواريخ أنّ النّبي (ص) أحرم في السنة المقبلة مع أصحابه والجمال المساقة للهدي وتحرّكوا جميعاً حتى بلغوا أطراف "الظهران" وضواحيه فأرسل النّبي (ص) ما كان عنده من أسلحة وخيول تستلفت النظر مع أحد أصحابه واسمه "محمّد بن مسلمة" فلمّا رأى المشركون هذه الخطة فزعوا وخافوا خوفاً شديداً وظنّوا أنّ النّبي (ص) يريد أن يقاتلهم وينقض المعاهدة الممضاة لعشر سنين واخبروا أهل مكّة بذلك. غير أنّ النّبي (ص) حين وصل منطقة قريبة من مكّة أمر أن توضع الأسلحة من السهام والرماح وغيرها من الأسلحة في منطقة تدعى "ياجج"، ودخل هو وأصحابه مكّة بالسيوف المغمدة. فلمّا رأى أهل مكّة من النّبي ما رأوا فرحوا إذ وفى النّبي بوعده (فكأنّ النبي باقدامه هذا أنذر المشركين أن لو نقضوا العهد وأرادوا أن ينازلوا المسلمين فهم على أتم الإستعداد). فخرج رؤوساء مكّة منها لئلاّ تتأثر عواطفهم وقلوبهم بهذه "المناظر" ولا تثيرهم مناسك العمرة من قبل المسلمين. غير أنّ بقية أهل مكّة من الرجال والنساء والأطفال اجتمعوا في السطوح وحول الكعبة وخلال الطريق ليروا كيف يؤدّي المسلمون مناسكهم... فدخل النّبي مكّة بهذه الأُبّهة الخاصة وكانت معه جمال كثيرة مسوقة للهدي فعامل أهل مكّة بمنتهى اللطف والمحبّة وأمر المسلمين أن يسرعوا أثناء الطواف وأن يزيحوا الإحرام عن اكتافهم قليلاً لتبدو علائم القدرة والقوّة فيهم وأن تترك هذه الحالة في أفكار أهل مكّة وأنفسهم تأثيراً كبيراً ودليلاً حيّاً على قوة المسلمين وحكمتهم! وعلى كلّ حال فإنّ "عمرة القضاء" كانت عبارة كما كانت في الوقت ذاته عَرضاً "للعضلات المفتولة" وينبغي القول أنّ "فتح مكّة" الذي تحقّق بعد سنة أُخرى كان قد نثر بذره في هذه السنة وهيّأ الأرضية لإستسلام أهل مكّة للفاتحين (المسلمين). وكان هذا الأمر مدعاةً لقلق رؤساء قريش إلى درجة أنّهم بعثوا رجلاً بعد مضي ثلاثة أيّام إلى النّبي يطلب منه أن يغادر بسرعة هو وأصحابه مكّة طبقاً للمعاهدة... الطريف هنا أنّ النّبي تزوّج أرملة من نساء قريش وكانت من أقرباء بعض رؤسائهم المعروفين وذلك ليشدّ أواصره بهم ويخفّف من غلوائهم وبغضائهم. وحين سمع النّبي اقتراحهم بالمغادرة قال: "ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه". قالوا: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنّا. ولو كان تمّ ذلك لكان له أثره في نفوذ أمر النّبي في قلوبهم غير أنّهم لم يقبلوا ذلك منه (4). ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا﴾ رأى (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل خروجه إلى الحديبية أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين محلقين ومقصرين صدقا متلبسا ﴿بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾ مشركا أبدا ﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا﴾ من الصلاح في تأخير الدخول ﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ﴾ أي الدخول ﴿فَتْحًا قَرِيبًا﴾ هو فتح خيبر.