وفي الآية الأُخرى مزيد تأكيد على الثواب الذي أعدّه الله لأُولئك الذين يمتثلون أمر الله ويراعون الآداب عند رسول الله فتقول: (إنّ الذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله أُولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) (7).
كلمة "يغضون" مشتقة من غضّ - على وزن حظّ - ومعناها تقليل النظر أو خفات الصوت ويقابل هذه الكلمة الإمعان بالنظر والجهر بالصوت.
وكلمة "امتحن" مشتقة من الإمتحان، والأصل في استعمالها إذابة الذهب وتطهيره من غير الخالص، كما أنّها تستعمل في بسط الجلد المعدّ للدّبغ، ثمّ استعملت بعدئذ في مطلق الإختبار كما هي الحال بالنسبة للآية محل البحث، ونتيجة ذلك خلوص القلب وبسطه لقبول التقوى... وممّا يسترعي الإنتباه أنّ الآية السابقة ورد فيها التعبير بالنبي، إلاّ أنّ هذه الآية ورد التعبير فيها عنه برسول الله، وكلتا الآيتين تشير إلى هذه "اللطيفة": وهي أنّ النّبي ليس عنده شيءٌ من نفسه، بل هو رسول الله ونبيّه، فإساءة الأدب إليه إساءة الأدب إلى الله ورعاية الأدب إليه رعاية لله.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ﴾ يخفضون ﴿أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ إجلالا له ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ اختبرها وجبرها للتقوى إذ الامتحان سبب للمعرفة فوضع موضعها أو ضربها بمحن التكاليف لتظهر منهم التقوى بصبرهم عليها ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ بطاعتهم