لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول قال بعض المفسّرين كالطبرسي في مجمع البيان: هناك قولان في شأن نزول الآية الأولى من الآيات أعلاه، ولكنّ بعضهم اكتفى بقول واحد منهما كالقرطبي وسيد قطب، ونور الثقلين. فالقول الأوّل في شأن نزول الآية محل البحث الذي ذكره أغلب المفسّرين أنّ الآية الكريمة: (يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) نزلت في "الوليد بن عقبة" وذلك أنّ النّبي (ص) أرسله لجمع الزكاة من قبيلة "بني المصطلق" فلمّا علم بنو المصطلق أنّ مبعوث الرّسول قادم إليهم سّروا كثيراً وهُرعوا لإستقباله، إلاّ أنّ الوليد حيث كانت له خصومة معهم في زمان الجاهلية، شديدة، تصوّر أنّهم يريدون قتله. فرجع إلى النّبي "ومن دون أن يتحقّق في الأمر" وقال: يا رسول الله إنّهم امتنوا عن دفع الزكاة "ونعرف أنّ عدم دفع الزكاة هو نوع من الوقوف بوجه الحكومة الإسلامية فبناءً على ذلك فإنّ مدّعى الوليد يقتضي أنّهم مرتدّون"!! فغضب النّبي (ص) لذلك وصمّم على أن يقاتلهم فنزلت الآية آنفة الذكر (1)... وأضاف بعضهم أنّ النّبي (ص) حين أخبره الوليد بن عقبة بارتداد قبيلة (بني المصطلق) أمر خالد بن الوليد بن المغيرة أن يمضي نحوها وأن لا يقوم بعمل حتى يتريث ويعرف الحقّ... فمضى خالد ليلاً وصار قريباً من قبيلة بني المصطلق وبعث عيونه ليستقصوا الخبر فعادوا إليه وأخبروا بأنّهم مسلمون "أوفياء لدينهم" وسمعوا منهم صوت الآذان والصلاة، فغدا خالد عليهم في الصباح بنفسه فوجد ما قاله أصحابه صدقاً فعاد إلى النّبي وأخبره بما رأى فنزلت الآية آنفة الذكر، وعقّب النّبي عليها... "التأنّي من الله والعجلة من الشيطان" (2). وذكر بعض المفسّرين قولاً آخر في شأن نزول الآية وعوّلوا عليه فحسب، وهو أنّ الآية نزلت في "مارية القبطية" زوج النّبي وأم إبراهيم (ع)، لأنّه قيل للنبي (ص) أنّ لها ابن عمٍّ "يُدعى جريحاً" تتردّد إليه أحياناً "وبينهما علاقة غير مشروعة" فأرسل النّبي (ص) خلف علي (ع) فقال له "يا أخي خذ السيف فإن وجدته عندها فاضرب عنقه..." فأخذ أمير المؤمنين السيف ثمّ قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله: أكونُ في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة; أمضي لما أمرتني أم الشاهد يُرى ما لا يرى الغائب فقال (ص): "بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب"، قال علي: فأقبلتُ متوشّحاً بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلمّا عرف أنّي أريده أتى نخلةً فرقى إليها ثمّ رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه فإذا أنّه أجبّ امسح مال ممّا للرجال قليل ولا كثير فرجعت فأخبرت النّبي (ص) فقال: "الحمد لله الذي يصرف عنّا السوء أهل البيت" (3). وورد هذا الشأن ذاته في تفسير نور الثقلين ج5 مع اختلاف يسير في العبارات... التّفسير لا تكترث بأخبار الفاسقين: كان الكلام في الآيات الآنفة على ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون ووظائفهم أمام قائدهم ونبيّهم محمّد (ص) وقد ورد في الآيات المتقدّمة أمران مهمّان، الأوّل أن لا يقدموا بين يديه والآخر هو مراعاة الأدب عند الكلام معه وعدم رفع الصوت فوق صوته... أمّا الآيات محل البحث فهي تبيّن الوظائف الأُخرى على هذه الأُمّة إزاء نبيّها. وتقول ينبغي الإستقصاء عند نقل الخبر إلى النّبي فلو أنّ فاسقاً جاءكم بنبأ فتثبّتوا وتحقّقوا من خبره، ولا تكرهوا النّبي على قبول خبره حتى تعرفوا صدقه... فتقول الآيات أوّلاً: (يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا). ثمّ تبيّن السبب في ذلك فتضيف: (أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). فلو أنّ النّبي قد أخذ بقول "الوليد بن عقبة" وعدّ قبيلة بني المصطلق مرتدّين وقاتلهم لكانت فاجعة ومصيبة عظمى!... ويستفاد من لحن الآية التالية أنّ جماعة من أصحاب الرّسول اصرّوا على قتال بني المصطلق، فقال لهم القرآن إنّ هذا هو الجهل بعينه وعاقبته الندم. واستدل جماعة من علماء الأُصول على حجّية خبر الواحد بهذه الآية لأنّها تقول إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا... ومفهومها أنّ العادل لو جاء بنبأ فلا يلزم التبيّن... ويصح قبول خبره إلاّ أنّه أشكل على هذا الإستدلال بمسائل عديدة أهمها مسألتان: المسألة الأولى: إنّ الإستدلال المتقدّم ذكره متوقّف على قبول "حجّية مفهوم الوصف"، والمعروف أنّه لا حجّية لمفهوم الوصف (4)... المسألة الثانية: إنّ العلة المذكورة في ذيل الآية فيها من السعة ما يشمل خبري العادل والفاسق معاً لأنّ العمل بالخبر الظنّي - مهما كان - ففيه احتمال الندم. لكنّ هاتين المسألتين يمكن حلّهما، لأنّ مفهوم الوصف وأي قيد آخر في الموارد التي يراد منها بيان القيد في مقام الإحتراز حجة، وذكر هذا القيد "قيد الفاسق" في الآية المتقدّمة طبقاً للظهور العرفي لا فائدة منه تستحق الملاحظة سوى حجّية خبر العادل! وأمّا في مورد التعليل الوارد في ذيل الآية فالظاهر أنّه لا يشمل كلّ عمل بالأدلة الظنّية، بل هو ناظر إلى الموارد التي يكون العمل فيها بجهالة، أي العمل بسفاهة وحمق، لأنّ الآية عوّلت على الجهالة، ونعرف أنّ أغلب الأدلة التي يعوّل عليها العقلاء جيمعاً في العالم في المسائل اليومية هي دلائل ظنّية "من قبيل ظواهر الألفاظ وقول الشاهد، وقول أهل الخبرة، وقول ذي اليد وأمثالها". ومعلوم أنّه لا يعدّ أيٌّ ممّا أُشير إليه آنفاً بأنّه جهالة ولو لم يطابق الواقع أحياناً، فلا تتحقّق هنا مسألة الندم فيه لأنّه طريق عام... وعلى كلّ حال فإنّنا نعتقد بأنّ هذه الآية من الآيات المحكمات التي فيها دلالة على حجّية خبر الواحد حتى في الموضوعات، وهناك بحوث كثيرة في هذا الصدد - ليس هنا مجال شرحها... إضافةً إلى ذلك فإنّه لا يمكن إنكار أنّ مسألة الإعتماد على الأخبار الموثقة هي أساس التاريخ والحياة البشرية. بحيث لو حذفنا مسألة حجيّة خبر العادل أو الموثّق من المجتمعات الإنسانية لبطل كثير من التراث العلمي والمعارف المتعلّقة بالمجتمعات البشرية القديمة وحتى كثير من المسائل المعاصرة التي نعمل على ضوئها اليوم... ولا يرجع الإنسان إلى الوراء فحسب، بل تتوقف عجلة الحياة، لذلك فإنّ العقلاء جميعاً يرون حجّيته والشارع المقدّس أمضاه أيضاً "قولاً وعملاً". وبمقدار ما يعطي خبر الواحد "الثقة" الحياة نظامها فإنّ الإعتماد على الأخبار غير الموثّقة خطير للغاية، ومدعاة إلى اضطراب نظام المجتمع، ويجر الوبال والمصائب المتعدّدة، ويهدّد الحيثيات وحقوق الأشخاص بالخطر ويسوق الإنسان إلى الإنحراف والضلال وكما عبّر القرآن الكريم تعبيراً طريفاً في الآية محل البحث: (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). وهنا لطيفة تسترعي الإنتباه أيضاً، وهي أنّ صياغة الأخبار الكاذبة والتعويل على الأخبار غير الموثّقة من الأساليب القديمة التي تتّبعها النظم الإستعمارية والديكتاتورية لتخلق جوّاً كاذباً ينخدع به الجهلة من الناس والمغفّلون فتُنهب أموالهم وأرصدتهم بهذه الأساليب وما شاكلها... فلو عمل المسلمون بهذا الأمر الإلهي الوارد في هذه الآية على نحو الدقّة ولم يأخذوا بأخبار الفاسقين دون تبيّن لكانوا مصونين من هذه البلايا الخطيرة! والجدير بالذكر أنّ المسألة المهمّة هنا هي الوثوق والإعتماد على الخبر ذاته، غاية ما في الأمر قد يحصل هذا الوثوق من جهة الإعتماد على الشخص المخبر تارةً، وتارةً من القرائن الأُخر الخارجية... ولذلك فإنّنا قد نطمئن إلى "الخبر" أحياناً وإن كان "المخبر" فاسقاً... فعلى هذا الأساس، فإنّ هذا الوثوق أو الإعتماد كيف ما حصل، سواءً عن طريق العدالة والتقوى وصدق القائل أم عن طريق القرائن الخارجية، فهو معتبر عندنا، وسيرة العقلاء التي أمضاها الشارع الإسلامي مبنية على هذا الأساس... ولذا فإنّنا نرى في الفقه الإسلامي كثيراً من الأخبار ضعيفة السند لكن لأنّها جرى عليها "عمل المشهور" ووقُف على صحة الخبر من خلال قرائن خاصة، فلذلك أصبحت هذه الأخبار (الضعيفة السند) صالحة للعمل وجرت فتاوى الفقهاء على وفقها. وعلى العكس من ذلك قد تقع أخبار عندنا قائلها معتبر ولكنّ القرائن الخارجية لا تساعد على قبوله، فلا سبيل لنا إلاّ الاعراض عنه وإن كان المخبر عادلاً و"معتبراً"... فبناءً على هذا - إنّ المعيار هو الإعتماد على الخبر نفسه - في كلّ مكان - وإن كان الغالب كون الوسيلة هي عدالة الراوي وصدقه - لهذا الإعتماد - إلاّ أنّ ذلك ليس قانوناً كليّاً. (فلاحظوا بدقّة). ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ اطلبوا بيان صدقه وكذبه ﴿أَن تُصِيبُوا﴾ كراهة إصابتكم ﴿قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ جاهلين أمرهم ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ﴾ من الخطايا بالإصابة ﴿نَادِمِينَ﴾.