لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
والآية التالية تضيف - لبيان العلّة والتأكيد على هذا الأمر قائلةً: (إنّما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم). فكما تسعون للإصلاح بين الأخوين في النَسَب، فينبغي أن لا تألوا جهداً في الدخول بصورة جادّة للإصلاح بين المؤمنين المتخاصمين بعدالة تامّة! وما أحسنه من تعبير وكم هو بليغ إذ يعبّر القرآن عن جميع المؤمنين بأنّهم "أخوة" وأن يسمّي النزاع بينهم نزاعاً بين الأخوة! وأنّه ينبغي أن يبادر إلى إحلال الإصلاح والصفاء مكانه... وحيث أنّه في كثير من الأوقات تحل "الروابط" في أمثال هذه المسائل محل "الضوابط" فإنّ القرآن يضيف في نهاية هذه الآية مرّةً أُخرى قائلاً: (واتّقوا الله لعلّكم ترحمون). وهكذا تتّضح إحدى أهم المسؤوليات الإجتماعية على المسلمين في ما بينهم في تحكيم العدالة الإجتماعية بجميع أبعادها. بحثان الأوّل: شروط قتال أهل البغي "البُغاة" هناك باب في الفقه الإسلامي بعنوان: "قتال أهل البغي" ضمن كتاب الجهاد، والمراد منه قتال الظَلَمة الذين ينهضون بوجه "الإمام العادل في المسلمين" وقد وردت فيهم أحكام كثيرة في هذا الباب... إلاّ أنّ ما أثارته الآية الآنفة موضوع آخر، وهو النزاع الواقع بين الطائفتين المؤمنين، وليس في هذا النزاع نهوض بوجه إمام المسلمين العادل ولا نهوض بوجه الحكومة الإسلامية الصالحة. وقد أراد بعض الفقهاء أو المفسّرين أن يستفيدوا من هذه الآية "في المسألة السابقة" إلاّ أنّ هذا الإستدلال كما يقول الفاضل "المقداد" في "كنز العرفان" خطأ بيّن (6). لأنّ القيام والنهوض بوجه الإمام العادل موجب للكفر، في حين أنّ النزاع بيّن المؤمنين موجب للفسق فحسب لا الكفر، ولذلك فإنّ القرآن المجيد عبّر عن الطائفتين بالمؤمنين وسمّاهم أخوةً، فلا يصحّ تعميم أحكام أهل البغي على أمثال هؤلاء!... ومن المؤسف أنّنا لم نعثر على بحث في الفقه في شأن أحكام هذه الطائفة، إلاّ أنّ ما يستفاد من الآية المتقدّمة بضميمة القرائن الأُخَر وخاصةً ما ورد من إشارات في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الأحكام التالية!... 1 - إنّ الإصلاح بين الطوائف المتنازعة "من المسلمين" أمر واجب كفائي. 2 - ينبغي لتحقّق هذا الأمر أن يُشرع أوّلاً من المراحل البسيطة وأن تراعى قاعدة "الأسهل فالأسهل" إلاّ أنّه إذا لم ينفع ذلك فيجوز عندئذ المواجهة المسلّحة بل تلزم أحياناً... 3 - ما يسفك من دم البغاة في هذا السبيل وما تذهب منهم من أموال كلّها هدر، لأنّ حكم الشرع قد امتثل وأُديّت الوظيفة الواجبة، والأصل في مثل هذه الموارد عدم الضمان! 4 - لا حاجة لإذن حاكم الشرع في مراحل الإصلاح عن طريق الكلام والمباحثات، إلاّ أنّه لابدّ من الإذن عند اشتداد العمل ولا سيما إذا انتهى الأمر إلى سفك الدماء، فلا يجوز عندئذ الإقدام بأيّ عمل إلاّ بأمر الحكومة الإسلامية وحاكم الشرع! إلاّ في الموارد التي لا يمكن الوصول إلى حاكم الشرع بأي وجه، فللعدول عندئذ وأهل الخبرة من المؤمنين أن يتّخذوا القرار الذي يرونه... 5 - في حالة ما لو سفكت الطائفة الباغية والظالمة دماً من "الجماعة المصلحة" أو نهبت أموالاً منها، فهي ضامنة بحكم الشرع ويجري القصاص منها في صورة وقوع قتل العمد، وكذلك في مورد تسفك فيه دماء من الطائفة المظلومة أو تتلف منها أموالها فإنّ حكم القصاص والضمان ثابت أيضاً وما يقال من أنّه بعد وقوع الصلح لا تتحمّل الطائفة الباغية مسؤولية الدماء المسفوكة والأموال المهدورة لأنّه لم تشر إليه الآية - محل البحث - غير صحيح، والآية ليست في مقام بيان جميع هذا المطلب، بل المرجع في مثل هذه الموارد هو سائر الأصول والقواعد الواردة في أبواب القصاص والإتلاف... 6 - حيث أنّ الهدف من هذه المقاتلة والحرب حمل الطائفة الباغية على قبول الحق، فعلى هذا لا تثار في الحرب مسألة "أسرى الحرب والغنائم" لأنّ الطائفتين بحسب الفرض مسلمتان، إلاّ أنّه لا مانع من الأسر مؤقتاً لإطفاء نائرة النزاع ولكن بعد حل النزاع والصلح يجب إطلاق الأسرى فوراً... 7 - قد يتفق أحياناً أن يكون طرفا النزاع باغيين، فهذا الطرف قتل جماعة من القبيلة الأُخرى وسلب ماله، وذلك الطرف قتل جماعة من هذه القبيلة والطائفة وسلب أموالها دون أن يقنع كلّ منهما بالمقدار اللازم من الدفاع سواءً كان الطرفان "الطائفتان" بمستوى واحد من الظلم والبغي أو بعضهما أكثر اعتداءً والآخر أقل! وبالطبع فإنّ الحكم في شأن هذا المورد لم يرد صراحةً في القرآن، لكن يمكن أن يستفاد هذا الحكم عن طريق إلغاء الخصوصية من الآية محل البحث، وهو أنّ وظيفة المسلمين أن يصلحوا بين الطرفين، وإذا لم يوافقا على الصلح فلابدّ من قتالهم جميعاً حتى يفيء كلٌّ إلى أمر الله، ما ذكرناه آنفاً من أحكام في شأن الباغي والظالم جار في الطرفين... وفي ختام هذا الكلام نؤكّد مرّةً أُخرى أنّ حكم هؤلاء البغاة منفصل عن حكم الذين يقفون بوجه الإمام المعصوم أو الحكومة الإسلامية العادلة، فإنّ لهذه الطائفة الأخيرة أحكاماً أشدّ وأصعب واردة في كتاب الجهاد من الفقه الإسلامي. الثّاني: أهميّة الأخوة الإسلامية إنّ جملة: (إنّما المؤمنون أخوة) الواردة في الآيات المتقدّمة واحدة من الشعارات الأساسية و"المتجذّرة" في الإسلام، فهي شعار عميق، بليغ، مؤثر وذو معنى غزير... إنّ الآخرين حين يريدون إظهار مزيد من العلاقة بمن يشاركهم في المنهج والعمل، يعبّرون عنهم بالرفاق، "أو الرفيق للمفرد" إلاّ أنّ الإسلام رفع مستوى الإرتباط والحب بين المسلمين إلى درجة جعلها بمستوى أقرب العلائق بين شخصين وهي علاقة الأخوين التي تقوم العلاقة بينهما على أساس المساواة والتكافؤ. فعلى هذا الأصل الإسلامي المهم فإنّ المسلمين على اختلاف قبائلهم وقوميّاتهم ولغاتهم وأعمارهم يشعرون فيما بينهم بالأخوّة وإن عاش بعضهم في الشرق والآخر في الغرب... ففي مناسك الحج مثلاً حيث يجتمع المسلمون من نقاط العالم كافة في مركز التوحيد تبدو هذه العلاقة والإرتباط والإنسجام والوشائج محسوسة وميداناً للتحقّق العيني لهذا القانون الإسلامي المهم... وبتعبير آخر إنّ الإسلام يرى المسلمين جميعاً بحكم الأسرة الواحدة ويخاطبهم جميعاً بالإخوان والأخوات ليس ذلك في اللفظ والشعار، بل في العمل والتعهّدات المتماثلة أيضاً، جميعهم (أخوة وأخوات). وفي الروايات الإسلامية تأكيد على هذه المسألة أيضاً ولا سيما في ما يخص الجوانب العملية ونحن نذكر هنا على سبيل المثال بعضاً من الأحاديث التالية: 1 - ورد عن النّبي الأكرم (ص) أنّه قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه" (7). 2 - وورد عنه (ص) أنّه قال: "مثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأُخرى" (8). 3 - ويقول الإمام الصادق (ع): "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده وأرواحهما من روح واحدة" (9). 4 - كما نقرأ حديثاً آخر عنه (ع) يقول فيه: "المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه ولا يعده عدةً فيخلفه" (10). وهناك روايات كثيرة في مصادر الحديث الإسلامية المعروفة في ما يتعلّق بحق المؤمن على أخيه المسلم وأنواع حقوق المؤمنين بعضهم على بعض وثواب زيارة الإخوان المؤمنين "والمصافحة والمعانقة" وذكرهم وإدخال السرور على قلوبهم وخاصةً قضاء حاجاتهم والسعي في إنجازها وإذهاب الهم والغم عن القلوب وإطعام الطعام وإكسائهم الثياب وإكرامهم وإحترامهم، ويمكن مطالعتها في أصول الكافي في أبواب مختلفة تحت العناوين الآنفة. 5 - وفي ختام هذا المطاف نشير إلى رواية هي من أكثر الروايات "جمعاً" في شأن حقوق المؤمن على أخيه المؤمن التي تبلغ ثلاثين حقّاً!... قال رسول الله (ص): "للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً، لا براءة له منها إلاّ بالأداء أو العفو! يغفر زلّته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويُقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلّته، ويرعى ذمّته، ويعود مرضه، ويشهد ميّته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافئ صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويسمّت عطسته، ويرشد ضالّته، ويردّ سلامه، ويطيب كلامه، ويُبرّ أنعامه، ويصدق أقسامه، ويوالي وليّه، ولا يعاديه، وينصره ظالماً ومظلوماً، فأمّا نصرته ظالماً فيردّه عن ظلمه، وأمّا نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقّه، ولا يُسلمه، ولا يخذله، ويحب له من الخير ما يُحبّ لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه" (11). وعلى كلّ حال فإنّ واحداً من حقوق المسلمين بعضهم على بعض هو مسألة الإعانة وإصلاح ذات البين كما ورد في الآيات المتقدّمة والروايات الآنفة "وكان لنا في التفسر الأمثل بحث في "إصلاح ذات البين" ذيل الآية الأولى من سورة الأنفال"... ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ في الدين ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ إذا تخاصما والتنبيه بحسب الأغلب ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في جميع الأمور ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بتقواكم.