التّفسير
في تفسير الآيتين السابقتين قلنا أنّ اليهود عمدوا - لإِرضاء الوثنيين في مكّة واستقطابهم - إِلى الشهادة بأنّ وثنية قريش أفضل من توحيد المسلمين، بل وعمدوا عملياً إِلى السجود أمام الأصنام، وفي هذه الآيات يبيّن سبحانه أن حكمهم هذا لا قيمة له لوجهين.
1 - إِنّ اليهود ليس لهم - من جهة المكانة الإِجتماعية - تلك القيمة التي نؤهلهم للقضاء بين الناس والحكم في أُمورهم، ولم يفوض الناس إِليهم حق الحكم والقضاء بينهم أبداً ليكون لهم مثل هذا العمل: (أم لهم نصيب من الملك)؟
هذا مضافاً إِلى أنّهم لا يمتلكون أية قابلية وأهلية للحكومة المادية والمعنوية على الناس، لأن روح الإِستئثار قد استحكم في كيانهم بقوّة إِلى درجة أنّهم إذا حصلوا على مثل هذه المكانة لم يعطوا لأحد حقّه، بل خصّوا كل شيء بأنفسهم دون غيرهم (فإِذاً لا يؤتون الناس نقيراً)(1).
فبالنظر إِلى أنّ هذه الأحكام التي يطلقها اليهود صادرة عن مثل هذه النفسية المريضة التي تسعى دائماً إِلى الإِستئثار بكل شيء لأنفسهم أو لغيرهم ممن يعملون لصالحهم، على المسلمين أن لا يتأثروا بأمثال هذه الأحاديث والأحكام وأن لا يقلقوا لها.
2 - إِنّ هذه الأحكام الباطلة ناشئة من حسدهم البغيض للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المكرمين، ولهذا تفقد أية قيمة، إنّهم إِذ خسروا مقام النبوة والحكومة بظلمهم وكفرهم، لذلك لا يحبّون أن يناط هذا المقام الإِلهي إِلى أي أحد من الناس، ولذا يحسدون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الذين شملتهم هذه الموهبة الإِلهية وأُعطوا ذلك المقام الكريم وذلك المنصب الجليل، ولأجل هذا يحاولون بإِطلاق تلك الأحكام الباطلة وتلك المزاعم السخيفة أن يخففوا من لهيب الحسد في كيانهم: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله).
ثمّ أن الله سبحانه يقول معقباً على هذا: ولماذا تتعجبون من إِعطائنا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنيهاشم ذلك المنصب الجليل وذلك المقام الرفيع، وقد أعطاكم الله سبحانه وأعطى ال إِبراهيم الكتاب السماوي والعلم والحكمة والملك العريض (مثل ملك موسى و سليمان وداود) ولكنّكم - مع الأسف - أسأتم خلافتهم ففقدتم تلكم النعم المادية والمعنوية القيمة بسبب قسوتكم وشروركم: (فقد آتينا آل إِبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً).
﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ﴾ إنكار نفسي ولو كان ﴿فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ قدر نقير وهو النقطة في وسط النواة.