ويضيف القرآن في آخر آية من الآيات محل البحث مؤكّداً أكثر فيقول: (إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
والمراد بـ "القلب" هنا وفي الآيات الاُخر من القرآن التي تتكلّم على إدراك المسائل هو العقل والشعور والإدراك، كما أنّ كتب اللغة تشير إلى أنّ واحداً من معاني القلب هو العقل، أمّا الراغب فقد فسّر القلب في الآية محلّ البحث بالعلم والفهم، كما نقرأ في لسان العرب أنّ القلب قد يطلق على العقل أيضاً(2).
كما ورد في تفسير عن الإمام موسى بن جعفر (ع) لهذه الآية أنّه قال: إنّ القلب هو العقل(3).
والجذر اللغوي لكلمة "قلب" في الأصل: التغيير والتحوّل، وإصطلاحاً معناه الإنقلاب، وحيث أنّ فكر الإنسان أو عقله في تقلّب دائم وفي حال مختلفة فقد أطلقت عليه كلمة "القلب" ..
ولذلك فإنّ القرآن يعوّل على إطمئنان القلب والسكينة فيقول: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين)(4) كما يقول في آية اُخرى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)،(5) أجل إنّما يُهّدىء هذا الموجود المضطرب ذكر الله فحسب.
أمّا (ألقى السمع) فكناية عن الإصغاء ومنتهى الإستماع بدقّة، وهناك تعبير في العرف يشبه هذا التعبير يقول "اُذني معك" أي إنّني أصغي إليك بدقّة!
و "الشهيد" يطلق على من هو حاضر القلب، أو كما يقال قلبه في المجلس وهو يتابع المسائل بدقّة!.
وهكذا فإنّ مضمون الآية بمجموعة يعني ما يلي: إنّ هناك فريقين ينتفعان بهذه المواعظ والنصيحة ..
فالفريق الأوّل من يتمتّع بالذكاء والعقل ..
ويستطيع بنفسه أن يحلّل المسائل بفكره!
أمّا الفريق الآخر فليس بهذا المستوى، إلاّ أنّه يمكن أن يلقي السمع للعلماء ويصغي لكلماتهم بحضور القلب ويعرف الحقائق عن طريق الإرشاد.
ويشبه هذا التعبير ما نقرؤه في الآية 10 من سورة الملك على لسان أهل النار، إذ ورد هكذا: (وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السعير)!
لأنّ علائم الحقّ واضحة، فأهل التحقيق يعرفونها جيّداً ..
ومن لم يكن كذلك فيستطيع أن يعرفها عن طريق إرشاد المخلصين من العلماء.
فعلى هذا يجب أن يتمتّع الإنسان بعقل كاف وعلم واف .. أو يتمتّع باُذن واعية(6).
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَذِكْرَى﴾ لتذكرة ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ يعي به العبر ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ أصغى إلى الوعظ ﴿وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ حاضر بذهنه ليفهم ما يسمع.