التّفسير
قسماً بالأعاصير والسُحُب الذاريات:
هذه السورة هي الثانية بعد سورة "الصافات" التي تبدأ بالقسم المتكرّر، القسم العميق والباعث على التفكّر، القسم الذي يوقظ الإنسان ويمنحه الوعي والإطّلاع!
وكثير من سور القرآن التي سنواجهها - في المستقبل إن شاء الله - بالبحث والتّفسير - هي على هذه الشاكلة ..
والطريف في الأمر أنّ هذا القسم غالباً ما يوطِّىءُ للمعاد، سوى بعض المواطن التي يمهّد فيها للتوحيد والمسائل المتعلّقة به.
كما أنّ ممّا يلفت النظر أنّ هذا القسم يرتبط محتواه بمحتوى يوم القيامة والنشور .. وهو يتابع بظرافة ورونق خاصّ هذا البحث المهمّ من جوانب متعدّدة:
والحقيقة أنّ كلّ قسم في القرآن هو بنفسه - وإن كثرت الأقسام - أو الأيمان - وجه من وجوه إعجاز القرآن هذا الكتاب السماوي، وهو من أجمل جوانبه وأبهاها وسيأتي تفصيل كلّ ذلك في موقعه.
وفي مستهلّ السورة يقسم الله سبحانه بخمسة أشياء مختلفة، وقد جاء القسم بأربعة أشياء متوالية سرداً وجاء القسم بخامسها فرداً.
فيقول الله في البداية: (والذاريات ذرواً)(1) أي قسماً بالرياح التي تحمل السحب في السماء وتذروا البذور على الأرض في كلّ مكان ... ثمّ يضيف: (فالحاملات وقراً)(2) قسماً بالسحب التي تحمل أمطاراً ثقيلة معها ..
(فالجاريات يُسراً)(3) "والجاريات هنا هي السفن" أي قسماً بالسفن التي تجري في الأنهار العظيمة والبحار الشاسعة بيسر وسهولة .. (فالمقسمات أمراً) "والمقسمات "هنا" معناها الملائكة الذين يقسّمون الاُمور.
ونقرأ حديثاً نقله كثير من المفسّرين ذيل هذه الآية أنّ "ابن الكوا"(4) سأل مرّة علياً (ع) وهو على المنبر خطيباً: ما (الذاريات ذرواً)؟ فقال (ع): هي الرياح.
﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾ الرياح تذرو التراب وغيره.