إلاّ أنّ الآية التالية تنقل جواب الملائكة لها فتقول: (قالوا كذلك قال ربّك إنّه هو الحكيم العليم).
فبالرغم من كونك امرأةً عجوزاً وبعلك مثلك شيخاً إلاّ أنّ أمر الله إذا صدر في شيء ما فلابدّ أن يتحقّق دون أدنى شكّ!.
حتّى خلق العالم الكبير كعالمنا هذا إنّما هو عليه سهل إذ تمّ بقوله: كن فكان!
والتعبير بـ "الحكيم" و "العليم" إشارة إلى أنّه لا يحتاج إلى الإخبار بكونك امرأة عقيماً عجوزاً وبعلك شيخاً، فالله يعرف كلّ هذه الاُمور، وإذا لم يرزقك حتّى الآن ولداً وأراد أن يهبك في هذه السنّ ولداً فإنّما هو لحكمته!
الطريف أنّنا نقرأ في الآية (73) من سورة هود أنّ الملائكة قالوا لها: (أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد).
ووجود الفرق بين هذين التعبيرين هو لأنّ الملائكة قالوا كلّ ذلك لسارة .. منتهى الأمر أنّ قسماً منه أشارت إليه سورة هود، وهنا إشارة إلى القسم الآخر، ففي سورة هود جاء الكلام عن "رحمة الله وبركاته" وهما يتناسبان مع كونه حميداً مجيداً.
أمّا هنا فالكلام على علمه بعدم إستعداد هذين الزوجين للإنجاب والولد ويأس المرأة بحسب الأسباب الطبيعية "الظاهرية" ويتناسب مع هذا الكلام أن يقال أنّه هو العلم، وإذ سئل لِمَ لم يرزقهما في فترة الشباب ولداً.
فيقال: أنّ في ذلك حكمةً وهو الحكيم سبحانه.
ملاحظة
كَرَمُ الأنبياء:
كثيراً ما يظنّ الممسكون البخلاء أنّ السخاء والنظرة البعيدة ضرب من الإفراط والإسراف والتبذير، والتشدّد وضيق النظرة نوع من الزهد والتدبير!!
والقرآن يكشف عن هذه الحقيقة في هذه الآيات والآيات التي مرّت في سورة هود، وهي أنّ الضيافة بسعتها وبشكلها المعقول ليست مخالفةً للشرع، بل طالما قام النّبي بمثل هذا العمل، فهو دليل على أنّ هذا الأمر محبوب، وبالطبع فإنّ ضيافةً كهذه الضيافة التي تستوعب الآخرين إنّما هي سنّة الكرماء الشرفاء.
والله سبحانه لم يحرّم التمتّع بمواهب الحياة وكون الإنسان ذا مال حلال كما كان إبراهيم - فلا ضير أن يتصرّف بماله كما فعل إبراهيم (ع) أيضاً.
فإبراهيم مع كونه ثريّاً ذا مال لم يغفل عن ذكر الله لحظة واحدة ولم يكن قلبه أسير ثروته ولم يجعل منافعه منحصرة به وحده.
يقول القرآن في الآية 32 من سورة الأعراف: (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقوم يعلمون).
وفي هذا الصدد كان لنا بحث مفصّل ذيل الآية 32 من سورة الأعراف .. "فلا بأس بمراجعته هناك".
﴿قَالُوا كَذَلِكَ﴾ كما قلنا في البشارة ﴿قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ﴾ في صنعه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بخلقه.