والقرآن هنا يكشف عمّا جرى لرسل الله إلى نبيّه لوط على أنّهم حلّوا ضيفاً عنده، وقد تبعهم قوم لوط بلا حياء ولا خجل ظنّاً منهم أنّهم غلمان نضِرون ليقضوا منهم وطرهم!! إلاّ أنّهم سرعان ما أحسّوا بخطئهم فإذا هم عُمي العيون، فيذكر قول الله فيهم(4) (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين).
أجل فنحن لا نحرق الأخضر واليابس معاً، وعدالتنا لا تسمح أن يبتلى المؤمن بعاقبة الكافر حتّى ولو كان بين آلاف الآلاف من الكافرين رجل مؤمن طاهر لأنجيناه!
وهذا هو ما أشارت إليه الآيتان 59 و60 من سورة الحجر بالقول: (إلاّ آل لوط إنّا لمنجوهم أجمعين إلاّ امرأته قدّرنا أنّها لمن الغابرين).
ونقرأ في سورة هود الآية 81 مثله: (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلاّ امرأتك إنّه مصيبها ما أصابهم).
أمّا في سورة العنكبوت فقد وردت الإشارة في الآية (32) كما يلي: (قال إنّ فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجيّنه وأهله إلاّ امرأته كانت من الغابرين).
كما أنّ هذا الموضوع ذاته مشار إليه في الآية (83) من سورة الأعراف: (فأنجيناه وأهله إلاّ امرأته كانت من الغابرين).
وكما تلاحظون، أنّ هذا القسم من قصّة قوم لوط ورد في هذه السور الخمس في عبارات مختلفة وجميعها يتحدّث عن حقيقة واحدة .. إلاّ أنّه حيث يمكن أن ينظر إلى حادثة ما من زوايا متعدّدة وكلّ زاوية لها بعدها الخاصّ ..
فإنّ القرآن ينقل الحوادث التاريخية - على هذه الشاكلة - غالباً، والتعابير المختلفة في الآيات المتقدّمة شاهدة على هذا المعنى.
أضف إلى ذلك أنّ القرآن كتاب تربوي وإنساني - وفي مقام التربية يلزم أحياناً أن يعول على مسألة مهمّة مراراً لتترك أثرها العميق في ذهن القارىء .. غاية ما في الأمر ينبغي أن يكون هذا التكرار بتعابير طريفة ومثيرة ومختلفة لئلاّ يقع السأم ويملّ الإنسان، وأن يكون الاُسلوب فصيحاً بليغاً!.
"ولمزيد التوضيح في شأن ضيف إبراهيم وما دار بينهم وبينه ثمّ عاقبة قوم لوط المرّة يراجع ذيل الآيات 83 من سورة الأعراف و81 من سورة هود و59 و60 من سورة الحجر و32 من سورة العنكبوت".
وعلى كلّ حال فإنّ الله سبحانه زلزل مدن قوم لوط وقلب عاليها سافلها ثمّ أمطرها بحجارة من سجّيل منضود ولم يبق منها أثراً .. حتّى أنّ أجسادهم دفنت تحت الأنقاض والحجارة! لتكون عبرةً لمن يأتي بعدهم من المجرمين والظالمين غير المؤمنين.
﴿فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا﴾ في قرى قوم لوط ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ليسلموا من العذاب.