قال المفسّرون: لمّا نزلت هذه الآية حزن النّبي والمؤمنون لأنّهم تصوّروا أنّ هذا آخر الكلام في شأن المشركين وأنّ وحي السماء قد إنقطع ويوشك أن يحيق بهم العذاب .. إلاّ أنّه لم تمض فترة قصيرة حتّى نزلت الآية بعدها لتأمر النّبي بالتذكير: (وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين)(4).
فكان أن أحسّ الجميع بالإطمئنان!
والآية تشير إلى أنّ هناك قلوباً مهيّأة تنتظر كلامك يارسول الله وتبليغك .. فإذا ما عاند جماعة ونهضوا بوجه الحقّ مخالفين، فإنّ هناك جماعةً آخرين تتوق إلى الحقّ من أعماق قلوبهم وأرواحهم ويؤثّر فيها كلامك اللّين!
ملاحظة
لابدّ من قلوب مهيّأة .. لقبول الحقّ:
لاحظوا المزارع والفلاّح الذي ينثر البذور، فقد تقع بعض هذه البذور على الأحجار، ومن الواضح أنّ ما يقع على الأحجار والصخور لا ينمو!
وبعض هذه البذور يقع على طبقة رقيقة من التراب الذي يغطّي الصخر، فتثبت هذه البذور وتمدّ جذورها، إلاّ أنّ المكان حيث كان حرجاً لا يساعد على إمتداد الجذور (لكون الأرض صخرية) فما أسرع من أن تجفّ البراعم وتموت الجذور.
ويقع قسم من البذور على أرض ذات تراب صالحة، إلاّ أنّ نبات الشوك والعلف تنمو إلى جانبها، فحتّى لو أورقت تلك البذور إلاّ أنّها ما أسرع أن تغلبها الأشواك وتلتفّ عليها فتموت.
وأحسن هذه البذور حظّاً تلك البذور التي تستقرّ في تربة صالحة ولا تعوقها نباتات اُخرى .. فلا يمضي زمن حتّى تنبت وتنمو وتورق وتستوي على سوقها وتعطي ثمارها.
فكلمات الحقّ التي تخرج من أفواه الأنبياء ورسل الله وخلفائهم المعصومين كهذه البذور، فالقلوب الصخرية لا تتقبّل هذه الكلمات من الأساس، والقلوب الضعيفة تتقبّلها مؤقتاً ثمّ تعرض عنها، وهناك قلوب مهيّأة للقبول، لكن الأهواء والصفات الرذيلة والشهوات نابتة فيها، وهذه الاُمور تبطل تأثير تلك الكلمات الحقّة.
القلوب - الوحيدة - التي تتقبّل كلمات هؤلاء الأئمّة العظام وتنمو فيها وتثمر هي القلوب التي تطلب الحقّ ويحكم عليها البحث عن الحقّ! وخالية من الصفات السلبية والدوافع الدنيوية أيضاً .. وتلك هي قلوب المؤمنين.
أجل .. (فذكّر إنّ الذكرى تنفع المؤمنين)!
﴿وَذَكِّرْ﴾ عظ مع ذلك ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.