كما يقال لهم أيضا: (أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون)؟!
لقد كنتم تزعمون في الدنيا إنّ ما جاء به محمّد سحر، وقد أخذ السحر عن ساحر آخر، فغطّى على أعيننا ليصرفها عن الحقائق وليختطف عقولنا! ويرينا اُموراً على أنّها معاجز، ويذكر لنا كلاماً على أنّه وحي منزل من الله، إلاّ أنّ جميع ذلك لا أساس له وما هو إلاّ السحر!!
لذلك فحين يردون نار جهنّم يقال لهم بنحو التوبيخ والملامة والإحتقار وهم يلمسون حرارة النار: أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟!
كما يقال لهم هناك أيضاً: (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنّما تجزون ما كنتم تعملون).
أجل هذه هي أعمالكم وقد عادت إليكم، فلا ينفع الجزع والفزع والآه والصراخ ولا أثر لكلّ ذلك أبداً.
وهذه الآية تأكيد على "تجسّم الأعمال" وعودتها نحو الإنسان، وهي تأكيد جديد أيضاً على عدالة الله .. لأنّ نار جهنّم مهما كانت شديدة ومحرقة فهي ليست سوى نتيجة أعمال الناس أنفسهم، وأشكالها المتبدّلة هناك!.
تعقيب
1 - كيف يُساق المجرمون إلى جهنّم؟
لا شكّ أنّ المجرمين يُساقون ويُدعّون إلى جهنّم بالتحقير والمهانة والزجر والعذاب، إلاّ أنّه تشاهد آيات متعدّدة في هذا الصدد ذات تعابير مختلفة.
إذ نقرأ في الآيتين (30) و31) من سورة الحاقة مثلا (خذوه فغلوه ثمّ الجحيم صلّوه).
ونقرأ في الآية (47) من سورة الدخان (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم).
كما جاء التعبير بالسوق في بعض الآيات كالآية (86) من سورة مريم (ونسوق المجرمين إلى جهنّم ورداً).
وعلى العكس منهم المتّقون والصالحون إذ يتلقّون بكلّ إكرام وإحترام عند باب الجنّة: (حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين).(6)
وعلى هذا فليست الجنّة والنار - كلّ منهما - مركزاً لرحمة الله أو عذابه فحسب، بل تشريفات الورود لكلّ منهما كاشفة عن هذا المعنى أيضاً.
2 - الخائضون في الأباطيل!.
بالرغم من أنّ كلام القرآن في الآيات الآنفة كان يدور حول المشركين في عصر النّبي محمّد (ص)، إلاّ أنّ هذه الآيات دون شكّ عامّة، فهي تشمل جميع المكذّبين حتّى الفلاسفة الماديين الخائضين في حفنة من الخيالات والأفكار الناقصة، ويتّخذون حقائق عالم الوجود لعباً وهزواً، ولا يعتدون إلاّ بما يقرّ به عقلهم القاصر، فهم ينتظرون أن يروا كلّ شيء في مختبراتهم وتحت المجهر حتّى ذات الله المقدّسة - تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً - وإلاّ فلا يؤمنون بوجوده أبداً.
هؤلاء أيضاً مصداق للذين هم (في خوض يلعبون) وهم غارقون في أمواج من الخيالات والتصوّرات الباطلة.
إنّ عقل الإنسان مهما بلغ فهو قبال نور الوحي كالشمعة أمام نور الشمس المضيئة في العالم، فهذه الشمعة تساعد الإنسان أن يخرج من محيط المادّة المظلم وأن يفتح الأبواب نحو ما وراء الطبيعة، وأن يحلق في كلّ جهة بنور الوحي ليرى العالم الواسع ويتعرّف على مجهولاته وخفاياه.
(أفسحر هذا) الذي تعاينوه كما كنتم تقولون للوحي إنه سحر (أم أنتم لا تبصرون) هذا أيضا كما كنتم لا تبصرون دلائله في الدنيا.