لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
والكلام الذي ينقله القرآن على لسان أهل الجنّة هنا يشير إلى إعترافهم بهذه الحقيقة وهي أنّ كون الله برّاً رحيماً يعرفه أهل الجنّة في ذلك الزمان أكثر من أي وقت مضى فيقولون: (إنّا كنّا من قبل ندعوه إنّه هو البرّ الرحيم). إلاّ أنّنا نعرف هذه الصفات الآن بشكل واقعي أكثر ممّا كنّا نعرفها، إذ شملنا برحمته العظيمة قبال هذه الأعمال التي لا تعدّ شيئاً وأحسن إلينا مع كلّ تلك الذنوب الكثيرة!. أجل إنّ عرصة القيامة ونعم الجنّة مدعاة لتجلّي صفات الله وأسمائه، والمؤمنون يتعرّفون في عرصة القيامة على حقيقة أسماء الله تعالى وصفاته أكثر من أي زمن آخر. حتّى الجحيم أيضاً تبيّن صفاته وحكمته وعدله وقدرته! ملاحظات 1 - كلمة "يتساءلون" مشتقّة من السؤال، ومعناه الإستفهام، أي يسأل بعضهم بعضاً، وهذا الفعل هنا يشير إلى أنّ أهل الجنّة يسأل بعضهم بعضاً عن ماضيه، لأنّ تذكّر هذه المسائل والنجاة من تلك الآلام والهموم والوصول إلى مثل هذه المواهب كلّ ذلك بنفسه تلذّذ أيضاً ... وهذا يشبه تماماً "الإنسان" المسافر العائد من سفر محفوف بالمخاطر إلى محيط آمن. فهو يتحدّث مع من سافر معه عن ما كان في سفره ويعرب عن سروره لسلامته. 2 - كلمة "مشفقين" مشتقّة من الإشفاق، وكما يقول الراغب في مفرداته معناه التوجّه المقرون بالخوف .. فحين يتعدّى هذا اللفظ "الإشفاق" بـ "من" يكون مفهوم الخوف فيها أظهر، وإذا تعدّت بـ "في" يكون مفهوم التوجّه والعناية فيها أكثر! والأصل أنّ هذه الكلمة مشتقّة من "الشفق" وهو النور المقرون أو الممزوج بشيء من الظلمة. والآن ينبغي أن يُعرف ممَّ كانوا مشفقين في الدنيا وخائفين؟ ولأي شيء كانوا يتوجّهون؟! وهنا إحتمالات ثلاثة وقد جمعناها في تفسير الآية إذ لا منافاة بينها جميعاً .. "الخوف من الله والتوجّه إليه لنجاتهم - والإشفاق من إنحراف أهليهم والإلتفات إلى أمر التربية - والخوف من الأعداء والتوجّه لحفظ أنفسهم في قبالهم" وإن كان المعنى الأوّل - مع ملاحظة الآيات التالية وخاصّة (فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم) - أقرب للنظر! 3 - التعبير "في أهلنا" بإطلاقه يحمل مفهوماً واسعاً حيث يصدق على جميع الأبناء والأزواج والأحباب، ويشير هذا التعبير إلى أنّ الإنسان في مثل هذا الجمع يحسّ بالأمن أكثر من أي مكان آخر، فإذا كان فيهم مشفقاً، فمن المعلوم حاله إذا كان في غيرهم!! ويحتمل أيضاً أنّ هذا التعبير يشير إلى أُولئك المبتلين باُسرة غير مؤمنة، وكانوا خائفين حتّى منهم، إلاّ أنّهم في الوقت ذاته قاوموا وحافظوا على إستقلالهم بالإتّكال على الله ولطفه ولم يتلوّنوا بلون الاُسرة. 4 - "السموم" يعني الحرارة التي تدخل في مسام البدن فتؤذي الإنسان، ويطلق على الريح التي تتسم بهذه السمة بريح السموم كما يطلق عذاب السموم على مثل هذا العذاب الذي تدخل حرارته مسام البدن فتؤذيه. وأمّا إطلاق كلمة "السم" على المواد القاتلة فهو لأنّها تنفذ في جميع أجزاء البدن! 5 - كلمة "البرّ" في الأصل تطلق على اليابسة في قبال البحر، ثمّ إستعملت هذه الكلمة في من يعمل عملا صالحاً وواسعاً حسناً، وأجدر بهذه الكلمة الذات المقدّسة، لأنّ لطفه وإحسانه عمّ العوالم كلّها. 6 - إرتباط الآيات ومضامينها قلنا أنّ هذه الآيات والآيات المتقدّمة تذكر أربعة عشر قسماً من نعم أهل الجنّة. 1 – الجنّات 2 – النعيم 3 – السرور 4 - الأمان من عذاب جهنّم 5 - تناول الطعام والشراب السائغ في الجنّة 6 - الإتّكاء على السرر المصفوفة 7 - الأزواج من الحور العين 8 - الحاق الذرية التي تبعت آباءها بإيمان 9 - أنواع الفواكه اللذيذة 10- أنواع اللحم 11 - ما تشتهي الأنفس 12 - كؤوس الشراب الطهور 13 - ويطوف عليهم غلمان لهم كأنّهم لؤلؤ مكنون 14 - التساؤل عن أيّام الدنيا في مجالس يغمرها الاُنس!. وهذه النعم بعضها مادّي وبعضها معنوي، ومع كلّ ذلك فإنّ نعم الجنّة الماديّة والمعنوية غير منحصرة بهذه النعم، بل ما هو مذكور هنا يعدّ جانب من جوانب نعم الجنّة! (إنا كنا من قبل ندعوه) نعبده أو نسأله فضله (إنه هو البر الرحيم).