ثمّ يتناول القرآن إحتمالا آخر فيقول: لو لم يكن كلّ هذه الاُمور المتقدّمة، فلابدّ أنّهم يتآمرون لقتل النّبي وإجهاض دعوته ولكن ليعلموا أنّ كيد الله أعلى وأقوى من كيدهم: (أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون)(6).
والآية الآنفة يطابق تفسيرها تفسير الآية (54) من سورة آل عمران التي تقول: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين).
وإحتمل جماعة من المفسّرين أنّ المراد من الآية محلّ البحث هو: "انّ مؤامراتهم ستعود عليهم أخيراً وتكون وبالا عليهم .. " وهذا المعنى يُشبه ما ورد في الآية (43) من سورة فاطر: (ولا يحيق المكر السيء إلاّ بأهله).
والجمع بين التّفسيرين الآنفين ممكن ولا مانع منه.
ويمكن أن يكون لهذه الآية إرتباط آخر بالآيه المتقدّمة، وهو أنّ أعداء الإسلام كانوا يقولون: ننتظر موت محمّد.
فالقرآن يردّهم بالقول بأنّهم ليسوا خارجين عن واحد من الأمرين التاليين .. أمّا أنّهم يدّعون بأنّ محمّداً يموت قبل موتهم حتف أنفه.
فلازم هذا الإدّعاء أنّهم يعلمون الغيب، وأمّا أنّ مرادهم أنّه سيمضي بمؤامراتهم فالله أشدّ مكراً ويردّ كيدهم إليهم، فهم المكيدون!
وإذا كانوا يتصوّرون أنّ في إجتماعهم في دار الندوة ورشق النّبي بالتّهم كالكهانة والجنون والشعر أنّهم سينتصرون على النّبي فهم في منتهى العمى والحمق، لأنّ قدرة الله فوق كلّ قدرة، وقد ضمن لنبيّه السلامة والنجاة حتّى يبلغ دعوته العالمية.
(أم يريدون كيدا) بك (فالذين كفروا هم المكيدون) المغلوبون العائد عليهم وبال الكيد.