وفي الآية التالية يخاطب القرآن نبيّه ويدعوه إلى الصبر أمام هذه التّهم والمثبّطات وأن يستقيم فيقول: (واصبر لحكم ربّك)(3).
فإذا ما اتّهموك بأنّك شاعر أو كاهن أو مجنون فاصبر، وإذا زعموا بأنّ القرآن مفترى فاصبر، وإذا أصرّوا على عنادهم وواصلوا رفضهم لدعوتك برغم كلّ هذه البراهين المنطقيّة فاصبر، ولا تضعف همّتك ويفتر عزمك: (فإنّك بأعيننا)!.
نحن نرى كلّ شيء ونعلم بكلّ شيء ولن ندعك وحدك.
وجملة (فإنّك بأعيننا) تعبير لطيف جدّاً حاك عن علم الله وكذلك كون النّبي مشمولا بحماية الله الكاملة ولطفه!
أجل، إنّ الإنسان حين يحسّ بأنّ قادراً كبيراً ينظره ويرى جميع سعيه وعمله ويحميه من أعدائه فإنّ إدراك هذا الموضوع يمنحه الطاقة والقوّة أكثر كما يحسّ بالمسؤولية بصورة أوسع.
وحيث أنّ الحاجة لله وعبادته وتسبيحه وتقديسه وتنزيهه والإلتجاء إلى ذاته المقدّسة كلّ هذه الاُمور تمنح الإنسان الدّعة والإطمئنان والقوّة، فإنّ القرآن يعقّب على الأمر بالصبر بالقول: (وسبّح بحمد ربّك حين تقوم).
سبّحه حين تقوم سحراً للعبادة وصلاة الليل.... وحين تنهض من نومك لأداء الصلاة الواجبة.... وحين تقوم من أي مجلس ومحفل، فسبّحه واحمده.
وللمفسّرين أقوال مختلفة في تفسير هذه الآية، إلاّ أنّ الجمع بين هذه الأقوال ممكن أيضاً، سواءً كان الحمد التسبيح سحراً، أو عند صلاة الفريضة، أو عند القيام من أي مجلس كان.
أجل، نوّر روحك وقلبك بتسبيح الله وحمده فإنّهما يمنحان الصفاء .. وعطر لسانك بذكر الله ..
واستمدّ منه المدد واستعدّ لمواجهة أعدائك!.
وقد جاء في روايات متعدّدة أنّ النّبي (ص) حين كان يقوم من مجلسه كان يسبّح الله ويحمده ويقول: "إنّه كفّارة المجلس"(4).
ومن ضمن ما كان يقول بعد قيامه من مجلس كما جاء في بعض الأحاديث عنه: "سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك!".
وسأل بعضهم رسول الله(ص) عن هذه الكلمات فقال: "هنّ كلمات علمنيْهنّ جبرئيل كفّارات لما يكون في المجلس"(5).
(واصبر لحكم ربك) بإمهالهم واحتمل أذاهم (فإنك بأعيننا) بمرأى منا نراك ونكلؤك والجمع للمبالغة والتعظيم (وسبح بحمد ربك حين تقوم) من مجلسك أو منامك.