ثمّ تأتي الآية التالية لتصرّح: (إن هو إلاّ وحي يوحى).
فهو لا يقول شيئاً من نفسه، وليس القرآن من نسج فكره! بل كلّ ما يقوله فمن الله، والدليل على هذا الإدّعاء كامن في نفسه.
فالتحقيق في آيات القرآن يكشف بجلاء أنّه لن يستطيع إنسان مهما كان عالماً ومفكّراً - فكيف بالاُمّي الذي لم يقرأ ولم يكتب في محيط مملوء بالخرافات - أن يأتي بكلام غزير المحتوى كالقرآن، إذ ما يزال بعد مضي القرون والعهود ملهماً للأفكار، ويمكنه أن يكون أساساً لبناء مجتمع صالح مؤمن سالم!
وينبغي الإلتفات - ضمناً - إلى أنّ هذا القول ليس خاصّاً بآيات القرآن، بل بقرينة الآيات السابقة يشمل سنّة الرّسول (ص) أيضاً وأنّها وفق الوحي، لأنّ هذه الآية تقول بصراحة "وما ينطق عن الهوى".
والحديث الطريف التالي شاهد آخر على هذا المدّعى.
يقول العلاّمة السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور: أمر رسول الله يوماً أن توصد جميع الأبواب المشرفة على المسجد - من بيوت الصحابة - سوى باب علي فكان هذا الأمر عزيزاً على المسلمين حتّى أنّ حمزة عمّ النّبي عتب عليه وقال: كيف أوصدت أبواب عمّك وأبي بكر وعمر والعبّاس؟! وتركت باب علي مفتوحاً "وفضّلته على الآخرين؟!" فلمّا علم النّبي أنّ هذا الأمر صعب عليهم دعا الناس إلى المسجد وخطب خطبة عصماء وحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: "أيّها الناس ما أنا سددتها ولا أنا فتحتها ولا أنا أخرجتكم وأسكنته ثمّ قرأ: (والنجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى)"(6).
وهذا الحديث الذي يكشف عن علوّ مقام أمير المؤمنين علي بين جميع الاُمّة الإسلامية بعد الرّسول يدلّ على أنّه ليست أقوال النّبي طبق الوحي فحسب بل حتّى أعماله وأفعاله وتقديره وسيرته أيضاً.
﴿إِنْ هُوَ﴾ ما الذي ينطق به ﴿إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ إليه من الله.