لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير هذه الآية وبعض الآيات اللاحقة تبحث عن واحدة من أهم المسائل الإِسلامية، ألا وهي مسألة القيادة، وتعيين القادة والمراجع الحقيقيين للمسلمين في مختلف المسائل الدينية والإِجتماعية. يفهي تأمر المؤمنين - أوّ - بأن يطيعوا الله، ومن البديهي أنّه يجب أن تنتهي جميع الطاعات - عند الفرد المؤمن - إِلى طاعة الله سبحانه، وكل قيادة وولاية يجب أن تنبع من ولاية الله سبحانه وذاته المقدسة تعالى وتكون حسب أمره ومشيئته، لأنّه الحاكم والمالك التكويني لهذا العالم، وكلّ حاكمية ومالكية يجب أن تكون بإِذنه وبأمره: (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله). وفي المرحلة الثّانية تأمر باتّباع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإطاعته، وهو النّبي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ولا ينطلق من الهوس، والنّبي الذي هو خليفة الله بين الناس، وكلامه كلام الله، وقد أعطي هذا المقام من جانب الله سبحانه، ولهذا تكون إطاعة الله ممّا تقتضيه خالقيته وحاكمية ذاته المقدسة، ولكن إطاعة النّبي واتّباع أمره ناشىء من أمر الله. وبعبارة أُخرى فإِنّ الله واجب الإِطاعة بالذات والنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واجب الإِطاعة بالعرض، ولعل تكرار "أطيعوا" في هذه الآية للإِشارة إِلى مثل هذا الفرق بين الطاعتين (وأطيعوا الرّسول). وفي المرحلة الثانية يأمر سبحانه بإِطاعة أولي الأمر القائمين من صلب المجتمع الإِسلامي، والذين يحفظون للناس أمر دينهم ودنياهم. من هم أولوا الأمر؟ ثمّة كلام كثير بين المفسّرين في المقصود من أُولي الأمر في هذه الآية، ويمكن تلخيص أوجه النظر في هذا المجال في مايلي: 1 - ذهب جماعة من المفسّري أهل السنّة إِلى أنّ المراد من "أُولي الأمر" هم الأمراء والحكام في كل زمان ومكان، ولم يستثن من هؤلاء أحداً، فتكون نتيجة هذا الرأي هي: إِنّ على المسلمين أن يطيعوا كل حكومة وسلطة مهما كان شكلها حتى إِذا كانت حكومة المغول، ودولتهم الجائرة. 2 - ذهب البعض من المفسّرين - مثل صاحب تفسير المنار وصاحب تفسير في ظلال القرآن وآخرون - إِلى أنّ المراد من "أُولي الأمر" ممثلو كافة طبقات الأمة، من الحكام والقادة والعلماء وأصحاب المناصب في شتى مجالات حياة الناس، ولكن لا تجب طاعة هؤلاء بشكل مطلق وبدون قيد أو شرط، بل هي مشروطة بأن لا تكون على خلاف الأحكام والمقررات الإِسلامية. 3 - ذهبت جماعة أُخرى إِلى أنّ المراد من "أُولي الأمر" هم القادة المعنويون والفكريون، أي العلماء والمفكرون العدول العارفون بمحتويات الكتاب والسنة معرفة كاملة. 4 - وذهب بعض مفسّري أهل السنة إِلى أنّ المراد من هذه الكلمة هم "الخلفاء الأربعة" الذين شغلوا دست الخلافة بعد رسول الله خاصّة ولا تشمل غيرهم، وعلى هذا لا يكون لأُولي الأمر أي وجود خارجى في الأعصر الاُخرى. 5 - يفسر بعض المفسّرين "أُولي الأمر" بصحابة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). 6 - هناك احتمال آخر يقول - في تفسير أُولي الأمر - إِنّ المراد منه هم القادة العسكريون المسلمون، وأمراء الجيش والسرايا. 7 - ذهب كلّ مفسّري الشيعة بالإِتفاق إِلى أنّ المراد من "أولي الأمر" هم الأئمّة المعصومون(عليهم السلام) الذين أُنيطت إليهم قيادة الأمة الإِسلامية المادية والمعنوية في جميع حقول الحياة من جانب الله سبحانه والنّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا تشمل غيرهم، اللّهم إِلاّ الذي يتقلد منصباً من قبلهم، ويتولى أمراً في إِدارة المجتمع الإِسلامي من جانبهم - فإِنّه يجب طاعته أيضاً إِذا توفرت فيه شروط يمعينة، ولا تجب طاعته لكونه من أُولي الأمر، بل لكونه نائباً لأُولي الأمر ووكي من قبلهم. والآن لنستعرض التفاسير المذكورة أعلاه باختصار: لا شك أنّ التّفسير الأوّل لا يناسب مفهوم الآية وروح التعاليم الإِسلامية بحال، إِذ لا يمكن أن تقترن طاعة كل حكومة - مهما كانت طبيعتها - ومن دون قيد أو شرط بإِطاعتة الله والنّبي، ولهذا تصدى كبار علماء السنة لنفي هذا الرأي والتّفسير مضافاً إِلى علماء الشيعة. وكذا التّفسير الثّاني: فإِنّه لا يناسب إِطلاق الآية الشريفة، لأنّ الآية توجب إِطاعة أُولي الأمر من دون قيد أو شرط. وهكذا التّفسير الثّالث، يعني تفسير "أُولي الأمر" بالعلماء والعدول والعارفين بالكتاب والسنة، فهو لا يناسب إِطلاق الآية، لأنّ لإِطاعة العلماء وإتباعهم شروطاً من جملتها أن لا يكون كلامهم على خلاف الكتاب والسنة، وعلى هذا لو ارتكبوا خطأ (لكونهم عرضة للخطأ وغير معصومين) أو انحرفوا عن جادة الحقّ لأي سبب آخر لم تجب طاعتهم، في حين توجب الآية الحاضرة إِطاعة أُولي الأمر بنحو مطلق كإِطاعة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، هذا مضافاً إِلى أنّ إِطاعة العلماء إِنّما هي في الأحكام التي يستفيدونها من الكتاب والسنة، وعلى هذا لا تكون إِطاعتهم شيئاً غير إِطاعة الله وإِطاعة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا حاجة إِلى ذكرها بصورة مستقلة. وأمّا التّفسير الرّابع (وهو حصر عنوان أُولي الأمر بالخلفاء الأربعة الأوائل) فمؤداه عدم وجود مصداق لأُولي الأمر بين المسلمين في هذا الزمان هذا مضافاً إِلى عدم وجود دليل على مثل هذا التخصيص. والتّفسير الخامس والسّادس: يعنيان تخصيص هذا العنوان بالصحابة أو القادة العسكريين المسلمين، ويرد عليها نفس الإِشكال الوارد على التّفسير الرّابع، يعني أنّه لا يوجد أي دليل على مثل هذا التخصيص أيضاً. وقد أراد جماعة من مفسّري السنة مثل "محمّد عبده" العالم المصري المعروف - تبعاً لبعض ما قاله المفسّر المعروف الفخر الرازي - أن يقبل بالإِحتمال الثّاني (القاضي بأنّ أُولي الأمر هم ممثلو مختلف طبقات المجتمع الإِسلامي من العلماء والحكام وغير هؤلاء من طبقات وفئات المجتمع الإِسلامي) مشروطاً ببعض الشروط ومقيداً ببعض القيود، مثل أن يكونوا مسلمين (كما يستفاد من كلمة "منكم" في الآية) وأن لا يكون حكمهم على خلاف الكتاب والسنة، وأن يحكموا عن اختيار لا جبر ولا قهر، وأن يحكموا وفق مصالح المسلمين، وأن يتحدثوا في مسائل يحقّ لهم التدخل فيها (لا مثل العبادات التي لها قوانين وأحكام ثابتة في الإِسلام) وأن لا يكون قد ورد في الحكم الذي أصدروه نص خاص من الشرع، وأن يكونوا - فوق كل هذا - متفقين في الرأي والحكم. وحيث إنّ هؤلاء يعتقدون أن مجموع الأُمّة أو مجموع ممثليها لا تخطأ ولا تجتمع على خطأ، - وبعبارة أُخرى - أن مجموع الأُمّة معصومة (أو أنّ الأُمّة بوصفها معصومة) تكون نتيجة هذه الشروط وجوب إِطاعة مثل هذا الحكم بشكل مطلق ومن دون قيد أو شرط تماماً مثل إِطاعة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (ومؤدى هذا الكلام هو حجّية الإِجماع). ولكن ترد على هذا التّفسير أيضاً إِشكالات واعتراضات عديدة وهي: أوّلا: إِنّ الإِتفاق في الرأي في المسائل الإِجتماعية قلّما يتفق وقلّما يتحقق، وعلى هذا فإن هذا الرأي يستلزم وجود حالة من الفوضى والإِنتظام في أغلب شؤون المسلمين وبصورة دائمة. وأمّا إِذا أراد هؤلاء قبول رأي الأكثرية فيرد عليه: إِنّ الأكثرية لا تكون معصومة أبداً، ولهذا لا تجب إِطاعتها بنحو مطلق. ثانياً: لقد ثبت في علم الأُصول، أنّه ليس هناك أي دليل على عصمة مجموع الأُمّة من دون وجود الإِمام المعصوم بينهم. ثالثاً: إِنّ أحد الشرائط التي يذكرها أنصار هذا التّفسير هو أن لا يكون حكم هؤلاء "أي أُولوا الأمر" على خلاف الكتاب والسنة، فيجب حينئذ أن نرى من الذي يشخّص أن هذا الحكم مخالف للكتاب والسنة أو لا، لا شك أن ذلك من مسؤولية المجتهدين والفقهاء العارفين بالكتاب والسنة، ويعني هذا إِنّ إِطاعة أُولي الأمر لا يجوز بدون إِجازة المجتهدين والعلماء، بل تلزم أن تكون إِطاعة العلماء أعلى من إِطاعة أولي الأمر، وهذا لا يناسب ولا يوافق ظاهر الآية الشريفة. صحيح أن هؤلاء اعتبروا العلماء جزءً من أُولي الأمر "ولكن الحقيقة أن العلماء والمجتهدين - وفق هذا التّفسير - اعترف بهم على أنّهم المراقبون والمراجع العليا من بقية ممثلي مختلف فئات الأُمّة، لا أنّهم في مستوى بقية الممثلين المذكورين، لأنّ على العلماء والفقهاء أن يشرفوا على أعمال الآخرين ويشخصوا موافقتها للكتاب والسنة، وبهذا يكون العلماء مراجع عُليا لهم، وهذا لا يناسب التّفسير المذكور ولا يوافقه. وعلى هذا الأساس يواجه التّفسير الحاضر (أي الثّاني) إِشكالات ومآخذ من وجهات عديدة. فيبقى تفسير واحد سليماً من جميع الإِعتراضات السابقة وهو التّفسير السّابع: (وهو تفسير أُولي الأمر بالأئمّة المعصومين(عليهم السلام) لموافقة هذا التّفسير لإطلاق وجوب الإِطاعة المستفاد من الآية المبحوثة هنا، لأن مقام "العصمة" يحفظ الإِمام من كلّ معصية ويصونه عن كل خطأ، وبهذا الطريق يكون أمره - مثل أمر الرّسول - واجب الإِطاعة من دون قيد أو شرط، وينبغي أن يوضع في مستوى إِطاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل وإِلى درجة أنها تعطف على إِطاعة الرّسول من دون تكرار "أطيعوا". والجدير بالإِنتباه إِلى أنّ بعض العلماء المعروفين من أهل السنة، ومنهم المفسر المعروف الفخر الرازي اعترف بهذه الحقيقة في مطلع حديثه عند تفسير هذه الآية حيث قال: "إِنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بإطاعته على سبيل الجزم والقطع لابدّ أن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إِقدامه على الخطأ قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهيّ عنه، فهذا يفضي إِلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت إِن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ". يوأضاف قائ: "ذلك المعصوم إمّا مجموع الأُمّة أو بعض الأُمّة، ولا يجوز أن يكون بعض الأُمّة لأن إِيجاب طاعتهم قطعاً مشروط بكوننا عارفين بهم، ونحن عاجزون عن الوصول إِليهم، وإِذا كان الأمر كذلك علمنا أنّ المعصوم الذي أمر الله المؤمنين بطاعته ليس بعضاً من أبعاض الأُمّة، ولمّا بطل هذا وجب أن يكون ذلك المعصوم الذي هو المراد بقوله: "وأولي الأمر" هم أهل الحل والعقد ومن الاُمّة (أي الأُمّة كلها وذلك يوجب القطع بأن إجماع الأُمّة حجّة)(1). وهكذ نرى الفخر الرازي مع ما نعهد منه من كثيرة الإِشكال في مختلف المسائل العلمية، قد قبل دلالة هذه الآية على أنّ أُولي الأمر يجب أن يكونوا معصومين، غاية ما في الأمر حيث أنّه لم يكن عارفاً بمذهب أهل البيت النبوي(عليهم السلام) وأئمّة هذا المذهب تجاهل إحتمال أن يكون "أُولي الأمر" أشخاصاً معنيين من الامة، فاضطر إِلى تفسير "أُولي الإمر" بمجموع الاُمّة (أو ممثلي عموم فئات الاُمّة)، في حين أن هذا الإِحتمال لا يمكن القبول به، لأن أُولي الأمر - كما قلنا في ما سبق - يجب أن يكونوا قادة المجتمع الإِسلامي، وتتمّ الحكومة الإِسلامية والحكم بين المسلمين بهم، ونعلم أنه لا يمكن لا في الحكومة الجماعية (المتألفة من مجموعة الأُمّة) بل ولا من ممثلي فئاتها أن يتحقق إِجتماع واتفاق في الرأي مطلقاً، لأنّ الحصول على إِجماع من جانب الاُمّة جميعاً أو من جانب ممثليها في مختلف المسائل الإِجتماعية والسياسية والثقافية والخلقية والإِقتصادية، لا يتيسر ولا يتحقق في الأغلب، كما أنّ إتّباع الأكثرية - كذلك - لا يعد إِتّباعاً لأُولي الأمر، ولهذا يلزم من كلام الرازي ومن تبعه من العلماء المعاصرين أن تتعطل مسألة إِطاعة "أُولي الأمر"، أو تصير مسألة نادرة واستثنائية جداً... ومن كل ما قلناه نستنتج أنّ الآية الشريفة تثبت قيادة وولاية الأئمّة المعصومين الذين يشكلون نخبة من الأُمّة الإِسلامية (تأمل). أجوبة على أسئلة: ثمّ إنّ هناك اعتراضات ومآخذ على هذا التّفسير (السّابع) يجدر طرحها هنا بتجرّد وموضوعية: 1 - إِذا كان المراد من "أُولي الأمر" هم الأئمّة المعصومون، فإِنّ ذلك لا يناسب مع كلمة "أُولي" التي هي بصيغة الجمع، لأنّ الإِمام المعصوم في كل عصر، شخص واحد لا أكثر. والجواب على هذا السؤال: أنّ الإِمام المعصوم وإِن كان في كل عصر شخصاً واحداً لا أكثر، إِلاّ أنّ الأئمة المتعددين في الأعصر المختلفة يشكلون جماعة، ونحن نعلم أنّ الآية لا تحدد وظيفة الناس في عصر واحد. 2 - إِنّ أُولي الأمر - بهذا المعنى - لم يكونوا في عصر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف أمر القرآن الكريم بإِطاعتهم؟ إِنّ الجواب على هذا السؤال يتّضح أيضاً من الكلام السابق، لأنّ الآية لا تنحصر (أو لا تعني) زماناً خاصاً، بل توضح وتبيّن وظيفة المسلمين وواجبهم في جميع العصور والقرون. وبعبارة أُخرى، يمكن أن نقول أن أُولي الأمر في زمان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان شخص النّبي بالذات، لأن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان له منصبان منصب "الرسالة" الذي أشير إليه في الآية المذكورة تحت عنوان (أطيعوا الرّسول) والآخر منصب "قيادة الأُمّة الإِسلامية" الذي ذكره القرآن الكريم تحت عنوان (أُولي الأمر). وعلى هذا يكون القائد وولي الأمر المعصوم في عهد النّبي هو النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهو مضافاً إِلى ما له من منصب الرسالة وإبلاغ الأحكام الإِسلامية، له منصب قيادة الأُمّة وولاية أمرها، ولعل عدم تكرار جملة (وأطيعوا" بين (الرّسول" و"أُولي الأمر" لا يخلوا عن الإِشارة إِلى هذه النقطة. وبعبارة أُخرى إِن منصب "الرسالة" ومنصب "أولي الأمر" منصبان مختلفان اجتمعا في شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن المنصب الثّاني فقط يتوفر في كل إمام على حدة، فللإِمام منصب اولي الأمر فقط. 3 - إِذا كان المقصود من "أُولي الأمر" هم الأئمّة المعصومون، فلماذا أشار سبحانه في ذيل الآية إِلى مسألة التنازع والإِختلاف بين المسلمين إذ قال: (فإِن تنازعتم في شيء فردّوه إِلى الله والرّسول إِن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك يخير وأحسن تأوي) فإِنّنا لا نشاهد هنا أي حديث عن "أُولي الأمر" بل أشير إِلى الله تعالى (كتاب الله - القرآن) والنّبي (السنة) كمرجع يجب أن يرجع إِليه المسلمون عند الإِختلاف والتنازع. في الإِجابة على هذا الإِشكال يجب أن نقول: أوّلا: إِنّ هذا الإِشكال لا يختص بالتّفسير الشّيعي لهذه الآية، بل يردّ على بقية يالتفاسير أيضاً، إِذا أمعنا النظر قلي. وثانياً: لا شك أنّ المراد من الإِختلاف والتنازع في العبارة الحاضرة هو الإِختلاف والتنازع في الأحكام، لا في المسائل المتعلقة بجزئيات الحكومة والقيادة الإسلامية، لأنّه في هذه المسائل يجب إِطاعة أُولي الأمر (كما صرّح بذلك في الجملة الأُولى من الآية المبحوثة هنا). وعلى هذا فالمراد من الإِختلاف هو الإِختلاف في الأحكام والقوانين الكلية الإِسلامية التي يعود أمر تشريعها إِلى الله سبحانه ونبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأنّنا نعلم أنّ الإِمام مجرّد منفذ للأحكام الإِلهية وليس مشرعاً، ولا ناسخاً لشيء من تلك الأحكام، وإِنّما عليه فقط أن يطبق الأحكام والأوامر الإِلهية والسنة النّبوية في حياة الأمة، ولهذا جاء في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) إِنّهم قالوا: "إِذا بلغكم عنّا ما يخالف كتاب الله وسنة نبيّه فاضربوه عرض الحائط ولا تقبلوه" أي يستحيل أن نقول ما يخالف كتاب الله وسنة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم). وعلى هذا فإِنّ أوّل مرجع يرجع إِليه المسلمون لحل خلافاتهم في الأحكام الإِسلامية هو الله سبحانه والنّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يوحى إِليه، وإِذا ما بيّن الأئمّة المعصومون أحكاماً، فإِنّ تلك الأحكام ليست سوى اقتباس من كتاب الله، أو هي من العلوم التي وصلت إِليهم من النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبهذا تتّضح علّة عدم ذكر أُولي الأمر إِلى جانب المرجع في حلّ الإِختلاف في الأحكام المذكورة في هذا الجزء من الآية(2). شهادة الأحاديث: هذا وقد وردت في المصادر الإِسلامية أيضاً أحاديث تؤيد تفسير "أُولي الأمر" بأئمّة أهل البيت(عليهم السلام) منها: 1 - ما كتبه المفسّر الإِسلامي المعروف أبو حيان الأندلسي المغربي (المتوفي عام 756) في تفسيره البحر المحيط: من أنّ هذه الآية نزلت في حقّ علي(عليه السلام)وأهل بيته(3). 2 - روى العالم السني أبوبكر بن مؤمن الشيرازي في رسالة الإِعتقاد (حسب نقل الكاشي في المناقب) عن ابن عباس أنّ الآية الحاضرة نزلت في علي(عليه السلام) عند ما خلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة (في غزوة تبوك) فقال علي(عليه السلام): يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال أخلفني في قومي وأصلح فقال عز وجل: (وأولي الأمر منكم)(4). 3 - وروى الشيخ سليمان الحنفي القندوزي وهو من أعلام أهل السنة المشهورين في كتابه "ينابيع المودة" من كتاب "المناقب" عن "سليم بن قيس الهلالي" قال سمعت علياً صلوات الله عليه يقول: أتاه، رجل فقال أرني أدنى ما ييكون به العبد مؤمناً، وأدنى ما يكون به العبد كافراً، وأدنى ما يكون به العبد ضا يفقال: قد سألت فافهم الجواب... وأمّا أدنى ما يكون العبد به ضا أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عزّ وجلّ عباده بطاعته وفرض ولايته. قلت: يا أمير المؤمنين. صفهم لي. قال: الذين قرنهم الله تعالى: بنفسه وبنبيّه فقال: (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأُولي الأمر منكم). فقلت له: جعلني الله فداك أوضح لي؟ فقال: الذين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواضع وفي آخر خطبة يوم قبضه الله عز وجل إِليه: "إِنّي تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي إن تمسكتم بهما: كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي"(5). 4 - وكذلك كتب نفس العالم في كتاب "ينابيع المودة": وفي المناقب في تفسير مجاهد: إِنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي(عليه السلام)(6). 5 - رويت أحاديث كثيرة في مصادر الشيعة مثل كتاب الكافي وتفسير العياشي وكتب الصدوق ومصنفاته وغيرها تشهد جميعها بأنّ المراد من "أُولي الأمر" هم الأئمّة المعصومون، حتى أن بعضها ذكرت أسماء الأئمّة(عليهم السلام) واحداً واحداً(7). ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ دل على وجود أولي الأمر في كل زمان بحيث يجب طاعتهم لعلمهم وفضلهم وعصمتهم ولا ينطبق إلا على مذهب الإمامية وفصل بين الله والرسول بالفعل للبينونة بين الواجب والممكن ولم يفصل بينه وبين أولي الأمر إشارة إلى أنهم واحد وعنهم (عليهم السلام): إيانا عنى خاصة أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ﴾ أيها المأمورون ﴿فِي شَيْءٍ﴾ من أمور الدين ﴿فَرُدُّوهُ﴾ فراجعوا فيه ﴿إِلَى اللّهِ﴾ إلى محكم كتابه ﴿وَالرَّسُولِ﴾ بالأخذ لسنته والمراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه فإنها رد إليه وقرىء فإن خفتم تنازعا في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم ﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ فإن من أبى ذلك لا إيمان له ﴿ذَلِكَ﴾ أي الرد ﴿خَيْرٌ﴾ لكم من التنازع والقول بالرأي والتشهي ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ من تأويلكم بلا رد وأحسن مآلا.