تُرى! هل من الممكن أن تشفع هذه الأجسام التي لا قيمة لها ولا روح فيها عند الله سبحانه؟ أو يُلتجأ إليها عند المشكلات!؟ كلاّ! (فللّه الآخرة والاُولى).
إنّ عالم الأسباب يدور حول محور إرادته، وكلّ ما لدى الموجودات فمن بركات وجوده، فالشفاعة من إختياراته أيضاً، وحلّ المشاكل بيد قدرته كذلك!
ممّا يلفت النظر أنّ القرآن يتحدّث عن الآخرة أوّلا، ثمّ عن الدنيا، لأنّ أكثر ما يُشغل فكر الإنسان هو النجاة في الآخرة .. وحاكمية الله في الدار الآخرة تتجلّى أكثر منها في هذه الدنيا.
وهكذا فإنّ القرآن يقطع أمل المشركين تماماً - بشفاعة الأصنام - ويسدّ بوجوههم هذه الذريعة بأنّها تشفع لهم "ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله".
وهناك إحتمال آخر في تفسير الآيتين آنفتي الذكر: وهو أن يتوجّه الإنسان نحو الله لعدم بلوغه أمانيّه وما يرغب إليه .. لأنّ الآية الاُولى من الآيات محلّ البحث تقول: (أم للإنسان ما تمنّى؟) وهذا إستفهام إنكاري، وحيث أنّ جواب هذا الإستفهام أو السؤال بالنفي قطعاً، لأنّ الإنسان لا ينال كثيراً من أمانيه أبداً، وهذا يدلّ على أنّ تدبير هذا العالم بيد اُخرى تتحكّم في هذا العالم، ولذلك فإنّ الآية الثانية تقول: حيث كان الأمر كذلك (فللّه الآخرة والاُولى)!
وهذا المعنى يشبه ما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين علي (ع): "عرفت الله بفسخ العزائم وحلّ العقود ونقض الهمم"(1).
ولا يبعد الجمع بين هذا التّفسير والتّفسير السابق أيضاً.
﴿فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى﴾ فهو المعطي والمانع ولا حكم لأحد عليه.