لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
أمّا الآية الأخيرة من الآيات محل البحث فتقول: (ثمّ يجزاه الجزاء الأوفى)(10). والمراد من "الجزاء الأوفى" هو الجزاء الذي يكون طبقاً للعمل. وبالطبع هذا لا ينافي لطف الله وتفضّله بأن يضاعف الجزاء على الأعمال الصالحة عشرة أضعاف أو عشرات الأضعاف ومئاتها وإلى ما شاء الله! وما فسّره بعضهم بأنّ "الجزاء الأوفى" معناه الجزاء الأكثر في شأن الحسنات، لا يبدو صحيحاً، لأنّ كلام هذه الآية يشمل الذنوب والأعمال الطالحة، بل الكلام فيها أساساً على الوزر والذنب "فلاحظوا بدقّة"! بحوث 1 - ثلاثة اُصول إسلامية مهمّة اُشير في الآيات - آنفة الذكر - إلى ثلاثة اُصول من الاُصول الإسلامية، وقد أكّدت عليها الكتب السماوية السابقة وهي: أ - كلّ إنسان مسؤول عن ذنبه ووزره. ب - ليس للإنسان في آخرته إلاّ سعيه. ج - يُجزي الله كلّ إنسان على عمله الجزاء الأوفى. وهكذا فإنّ القرآن يشجب الكثير من الأوهام والخرافات التي يهتمّ بها عامّة الناس أو السائدة بينهم وكأنّها مذهب عقائدي! والقرآن لا ينفي - عن هذا الطريق - عقيدة العرب المشركين الذين يعتقدون أنّ بإمكان الإنسان أن يتحمّل وزر الآخر فحسب! بل ينفي الإعتقاد الذي كان سائداً - ولا يزال - بين المسيحيين، وهو أنّ الله أرسل إبنه المسيح ليصلب ويذوق العذاب والألم ويحمل على عاتقه ذنوب المذنبين!. وكذلك يحكم على جماعة من القسسة والرهبان بقبح عملهم لما كانوا يبيعونه من صكوك الغفران ومنح قطع الأراضي في الجنّة لمن يشاؤون، والعفو عن المخطئين!! فكلّ هذه الاُمور باطلة. ومنطق العقل أيضاً يقتضي أنّ كلاّ مسؤول عن عمله، ويعود عليه عمله بالنفع أو الضرر. وهذا المبدأ الإسلامي يؤدّي إلى أن يسعى الإنسان إلى الخير وأن يجتهد بدلا من الإلتجاء إلى الخرافات أو أن يتحمّل آثامه غيره! وأن يتجنّب الذنب ويتّقي الله، وإذا ما اتّفق له أن عثرت قدمه في معصية، فعليه أن يبادر إلى التوبة ويجبر ذلك بالإستغفار والعمل الصالح! وتأثير هذه العقيدة التربوية في الناس واضح تماماً ولا يقبل الإنكار، كما أنّ أثر تلك المعتقدات الجاهلية الفاسدة - المخرّب لا يخفى على أحد. وصحيح أنّ هذه الآيات ناظرة إلى السعي والمثابرة والعمل للآخرة ورؤية الثواب في الآخرة! إلاّ أنّ الملاك والمعيار الأصلي له يتجلّى في الدنيا أيضاً .. أي أنّ الأفراد المؤمنين لا ينبغي لهم أن يتوقّعوا من الآخرين أن يعملوا لهم ويحلّوا مشاكلهم الإجتماعية، بل عليهم أنفسهم أن ينهضوا ويجدّوا ويثابروا أبداً. ويستفاد من هذه الآيات أصل حقوقي في المسائل الجزائية أيضاً، وهو أنّ الجزاء أو العقاب إنّما ينال المذنب الحقيقي، وليس لأحد أن يجعل إثم غيره في ذمّته! 2 - سوء الإستفادة من مفاد الآية: كما بيّنا آنفاً، فإنّ هذه الآيات بقرينة الآيات التي قبلها والآيات التي بعدها ناظرة إلى سعي الإنسان لاُمور الآخرة، إلاّ أنّه مع هذه الحال - لما كان ذلك على أساس حكم عقلي مسلّم به فيمكن تعميم السعي والجدّ حتّى يشمل السعي لاُمور الدنيا ويشمل أيضاً الجزاء الدنيوي. إلاّ أنّ ذلك لا يعني أن يتأثّر بعضهم بالمذاهب الإشتراكية فيقول: إنّ مفهوم الآية أنّ المالكية إنّما تحصل عن طريق العمل فحسب، وبذلك يخطّي قانون الإرث والمضاربة والإجارة وأمثالها! والعجب أنّه ينادي بالإسلام ويستدلّ بآيات القرآن أيضاً مع أنّ مسألة الإرث من الاُصول الإسلامية القطعية، وكذلك الخمس والزكاة! علماً بأنّه لم يسع الوارث إلى إرثه ولا مستحقّو الزكاة أو الخمس إليهما، ولم يقع سعي في مواطن النذر والوصايا ومع كلّ ذلك فإنّ القرآن الكريم ذكر هذه الاُمور. وبتعبير آخر أنّ هذا هو الأصل، إلاّ أنّه غالباً ما يوجد إستثناء أمام كلّ أصل، فمثلا الولد يرث أباه هذا أصل إسلامي، لكن متى قتل الولد أباه أو خرج عن الإسلام حُرم حقّ الإرث. وكذلك نتيجة سعي كلّ شخص تعود عليه أو إليه، هذا هو الأصل، إلاّ أنّه لا مانع من أن يعطي مقدار من المال للآخر طبقاً لقرار الإجارة بين الطرفين، وهو أصل قرآني(11) كذلك، أو أن ينتقل المال عن طريق النذر أو الوصية، كما صرّح به القرآن الكريم. 3 - الجواب على سؤالين يرد هنا سؤالان وينبغي أن نجيب عليها: أوّلا: إذا كان ما يناله الإنسان يوم القيامة هو نتيجة سعيه، فما معنى الشفاعة إذاً؟! والثّاني: إنّنا نقرأ في الآية (21) من سورة الطور في شأن أهل الجنّة: (الحقنا بهم ذريّتهم)! مع أنّ الذريّة لم تسع في هذا المضمار، ثمّ إنّنا نجد في الرّوايات الإسلامية أنّ الإنسان إذا عمل عملا صالحاً فإنّ نتيجة ذلك تنعكس على أبنائه أيضاً. والجواب على هذه الأسئلة جملة واحدة وهي أنّ القرآن يقول أنّ الإنسان ليس له أن يأخذ أكثر من سعيه وعمله، إلاّ أنّه لا يمنع أن ينال بعض الناس اللائقين نعماً اُخر عن طريق اللطف والتفضّل الإلهي. فالإستحقاق شيء، والتفضّل شيء آخر! كما أنّ الله يضاعف الحسنات عشرات المرّات بل مئات المرّات وآلافها أحياناً. ثمّ - الشفاعة - كما ذكرنا في محلّه - ليست إعتباطاً .. - بل هي بحاجة إلى السعي والجدّ وإيجاد العلاقة بالشافع أيضاً، وكذلك الأمر في شأن ذريّة الأشخاص الصالحين، فإنّ القرآن يقول أيضاً: (واتّبعتهم ذريّتهم بإيمان)!. 4 - صحف إبراهيم وموسى "الصحف" جمع صحيفة، وتطلق هذه الكلمة على كلّ شيء واسع كما يقال مثلا صحيفة الوجه، ثمّ استعملوا هذه الكلمة على صفحات الكتاب. فالمراد من صحف موسى هي التوراة النازلة عليه وأمّا صحف إبراهيم فما نزل عليه من كتاب سماوي أيضاً. ينقل المرحوم الطبرسي في مجمع البيان حديثاً عن النّبي (ص) في تفسير سورة الأعلى وخلاصته ما يلي. يسأل أبو ذرّ النبي: يارسول الله كم عدد الأنبياء؟ فيجيبه النّبي (ص) أنّهم مائة الف نبي وأربعة وعشرون ألفاً. فيسأله ثانيةً عن الرسل منهم: كم المرسلون؟ فيجيبه النبي: ثلاثمائة وثلاثة عشر وبقيّتهم أنبياء .. "والرّسول هو المأمور بالإنذار والإبلاغ في حين أنّ النّبي أعمّ منه مفهوماً". ويسأل أبو ذرّ مرّة اُخرى: كان آدم نبيّاً؟! فيجيب النّبي (ص): نعم، كلّمه الله وخلقه بيده. فيسأله أبو ذرّ: كم أنزل الله من كتاب؟ فيجيب النبي: مئة وأربعة كتب أنزل الله منها على آدم عشر صحف، وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوخ وهو "إدريس" ثلاثين صحيفة، وهو أوّل من خطّ بالقلم، وعلى إبراهيم عشر صحائف، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان"(12). 5 - المسؤولية عن الأعمال في كتب السابقين الذي يلفت النظر أنّ التّوراة الحالية أوردت المضمون الذي ذكرته الآيات محلّ البحث في كتاب حزقيل إذ جاء فيه: "الجاني الذي يذنب سيموت، والإبن لا يحمل عبء أبيه والأب لا يحمل ذنب إبنه"(13). وجاء هذا المعنى ذاته أيضاً في مورد القتل في سفر التثنية من التوراة. "لا يقتل الآباء عوضاً عن الأبناء ولا يقتل الأبناء عوضاً عن الآباء، فكلّ يقتل بذنبه"(14). وبالطبع فإنّ كتب الأنبياء الأصلية ليست في متناول اليد، وإلاّ لكان من الممكن أن نعثر على موارد أكثر في شأن هذا الأصل وأمثاله. ﴿ثم ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى﴾ التام والهاء لسعيه.