وأمّا قوله تعالى: (مهطعين إلى الداع) فإنّ كلمة "مهطعين" تأتي من مادّة (اهطاع) أي مدّ الرقبة، والبعض يرجعها إلى النظر بإنتباه أو الركض بسرعة نحو الشيء، ويحتمل أن تكون كلّ واحدة من هذه المعاني هي المقصودة، ولكن المعنى الأوّل هو الأنسب، لأنّ الإنسان عند سماعه لصوت موحش يمدّ رقبته على الفور وينتبه إلى مصدر الصوت، ويمكن أن تكون هذه المفاهيم مجتمعة في الآية الكريمة حيث أنّ بمجرّد سماع صوت الداعي الإلهي تمدّ الرقاب إليه ثمّ يتبعه التوجّه بالنظر نحوه، ثمّ الإسراع إليه والحضور في المحكمة الإلهيّة العادلة عند دعوتهم إليها.
وهنا يستولي الخوف من الأهوال العظيمة لذلك اليوم على وجود الكفّار والظالمين، لذا يضيف سبحانه معبّراً عن حالة البؤس التي تعتري الكافرين بقوله: (يقول الكافرون هذا يوم عسر).
والحقّ أنّه يوم صعب وعسير.
وهذا ما يؤكّده الباريء عزّوجلّ بقوله: (وكان يوماً على الكافرين عسيراً).(8)
ويستفاد من هذا التعبير أنّ يوم القيامة يوم غير عسير بالنسبة للمؤمنين.
مسألة
لماذا كان يوم القيامة يوماً عسيراً؟:
ولماذا لا يكون عسيراً؟ في الوقت الذي يحاط فيه المجرمون بكلّ أجواء الرهبة والوحشة، وخاصّة عندما يستلمون صحائف أعمالهم حيث يصطرخون: (ياويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها)،(9) هذا من جهة.
ومن جهة اُخرى فإنّهم يواجهون بما ليس في الحسبان، حيث يحاسبون بدقّة حتّى على أصغر الأعمال التي أدّوها، سواء كانت صالحة أم طالحة: (إن تك مثقال حبّة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إنّ الله لطيف خبير).(10)
ومن جهة ثالثة، لا سبيل يومئذ للتكفير عن الذنوب والتعويض بالطاعة، والإعتذار عن التقصير، حيث لا عذر يقبل ولا مجال للعودة مرّة اُخرى إلى الحياة يقول تعالى: (واتّقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون).(11)
ونقرأ كذلك في قوله تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نُرد ولا نكذب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين).(12)ولكن هيهات.
ومن جهة رابعة فإنّ العذاب الإلهي شديد ومرعب إلى درجة تُنسيى الاُمّهات أولادها، وتسقط الحوامل أجنّتهن، ويكون الجميع يومئذ في حيرة وذهول وفقدان للوعي كالسكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد، قال تعالى: (يوم ترونها تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد).(13)
والدليل على إضطراب وهلع العاصين هو حالة التشبّث بالإفتداء بكلّ ما في الدنيا أملا في الخلاص من العذاب الأليم، قال تعالى: (يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤيه، ومن في الأرض جميعاً ثمّ ينجّيه، كلاّ إنّها لظى).(14)
إذاً، هل يمكن مع كلّ هذه الأوصاف والأوصاف الاُخرى المهولة التي وردت في آيات اُخرى أن يكون ذلك اليوم يوماً مريحاً وبعيداً عن الهمّ والغمّ والشدّة؟!
(حفظنا الله جميعاً في ظلّ لطفه ورعايته).
﴿مُّهْطِعِينَ﴾ مسرعين أو ناظرين ﴿إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ صعب.