ويردّ الباريء عزّوجلّ عليهم بصورة قاطعة بقوله: (سيعلمون غداً من الكذّاب الأشر).
وعندما يدركهم العذاب الإلهي ويسوّيهم مع التراب ويحوّلهم رماداً، وبعد أن يجازيهم الله بأعمالهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ... عندئذ سيدركون حقيقة اتّهاماتهم الزائفة التي اتّهموا بها نبي من أنبياء الله المقرّبين، وسيعلمون أيضاً أنّ هذه الإفتراءات هي أحقّ بهم وألصق.
ومعلوم أنّ المراد من "غدا" هو المستقبل القريب، وإنّه حقّاً لتعبير رائع.
والسؤال المطروح هنا: في الوقت الذي نزلت هذه الآيات على قوم ثمود كان العذاب قد وقع عليهم مجازاة لأعمالهم، فما معنى (سيعلمون) مع أنّهم قد هلكوا؟.
هنالك إجابتان على هذا السؤال:
الاُولى: إنّ حديث الآيات الكريمة كان موجّهاً للنبي صالح (ع)، ومن المعلوم أنّ العذاب لم يكن قد نزل بهم حينئذ.
الثّانية: إنّ المقصود من (غداً) هو يوم القيامة الذي سيظهر فيه كلّ شيء بوضوح.
(والتّفسير الأوّل هو الأنسب عند ملاحظة الآيات اللاحقة).
وهنا يطرح تساؤل آخر: لماذا قال تعالى: (سيعلمون غداً)؟ في الوقت الذي لمس مشركو قوم ثمود صدق دعوة النّبي صالح (ع) لما شاهدوه من معجزاته غير القابلة للإنكار؟
ويتّضح الجواب على هذا التساؤل إذا علمنا أنّ للعلم مراتب، ويمكن إنكاره من قبل الآخرين في بعض مراتبه، وقد يصل العلم بهم إلى مرتبة، لا يمكن إنكارها لما تمثّله من حقيقة صارخة متجسّدة للعيان، والمقصود هنا من جملة: (سيعلمون غداً) هو العلم الحقيقي الذي لا يمكن إنكاره، والذي هو حقيقة العذاب الذي سيحلّ بقوم ثمود بصورة لا ريب فيها مطلقاً.
﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا﴾ يوم القيامة ﴿مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾ وقرىء بالتاء التفاتا.