سبب النزول
كان أحد الصّحابة يدعى "ثوبان"شديد الحبّ لرسول الله قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه فقال له النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا ثوبان ما غير لونك؟ فقال: يا رسول الله ما من مرض ولا وجع غير أني إِذا لم أرك اشتقت إِليك حتى ألقاك، ثمّ ذكرت الأخرة فأخاف أنّي لا أراك، وإِنّي إِن أدخلت الجنّة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإِن لم أدخل الجنّة فذاك حتى لا أراك أبداً.
فنزلت الآيتان الحاضرتان تبشران أمثال هذا بأنّ المطيعين سيكونون مع النّبيين ومن اختارهم الله وأنعم عليهم في الجنّة.
ثمّ أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمنن عبد حتى أكون أحبّ إِليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجميعن" أي يكون مسلماً لتعاليمي يوأوامري، تسليماً كام.
التّفسير
رفقاء الجنّة:
في هذه الآية يبيّن القرآن ميزة أُخرى من ميزات من يطيع أوامر الله تعالى والنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي الحقيقة مكملة للميزات التي جاء ذكرها في الآيات السابقة، وهي صحبة الذين أتمّ الله نعمه عليهم ومرافقتهم: (ومن يطع الله والرّسول فأُولئك مع الذين أنعم الله عليهم...).
وكما أسلفنا في سورة الحمد فإِنّ الذين أنعم الله عليهم هم الذين ساروا في الطريق المستقيم ولم يرتكبوا أي خطأ، ولم يكن فيهم أي انحراف.
ثمّ يشير - لدى توضيح هذه الجملة، وتحديد من أنعم الله عليهم - إِلى أربع طوائف يشكلون في الحقيقة الأركان الأربعة لهذا الموضوع وهم:
1 - الأنبياء:
أي رسل الله تعالى الذين كانوا طليعة السائرين في سبيل هداية الناس ودعوتهم إِلى الصراط المستقيم (من النّبيين).
2 - الصّادقون:
وهم الذين يصدقون في القول ويصدقون إِيمانهم بالعمل الصالح، ويثبتون أنّهم ليسوا مجرّد أدعياء الإِيمان، بل مؤمنون بصدق بأوامر الله وتعاليمه (والصّديقون).
ومن هذا التعبير يتّضح أنّه ليس بعد مقام النبوة أعلى من مقام الصدق، والصدق هذا لا ينحصر في الصدق في القول فقط، بل هو الصدق في الفعل والعمل...
الصدق في الممارسات والمواقف، وهو لذلك يشمل الأمانة والإِخلاص أيضاً، لأن الأمانة هي الصدق في العمل كما أن الصدق أمانة في القول، وفي المقام ليس هناك صفة بعد الكفر أقبح من الكذب والنفاق والخيانة في القول والعمل (ويجب الإِنتباه - هنا - إِلى أن الصدّيق صيغة مبالغة وهي بمعنى الصادق كله، ظاهراً وباطناً).
وقد فسّر "الصدّيق" في بعض الروايات والأخبار بعلي(عليه السلام) والأئمّة من أهل البيت النّبوي(عليهم السلام)، وهذا التّفسير كما قلنا في ما سبق من باب بيان المصداق الأكمل والأوضح لهذه الآيات، فلا تفيد الحصر والقصر.
3 - الشّهداء:
الذين قتلوا في سبيل الله وفي سبيل العقيدة الإِلهية الطاهرة، أو الذين يشهدون على الناس وأعمالهم في الأخرة (والشّهداء)(1).
4 - الصّالحون:
وهم الذين بلغوا بأعمالهم الصالحة والمفيدة وبإِتّباع الأنبياء وأوامرهم إِلى مراتب عالية ومقامات رفيعة (والصّالحين).
ولهذا فسّر "الصّالحون" في رواياتنا وأحاديثنا، بالصفوة المختارة من أصحاب الأئمّة(عليهم السلام) وهذا هو أيضاً من باب بيان أظهر المصاديق وأوضحها كما أسلفنا في تفسير الصديقين.
﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾ الصادقين في القول والعمل المصدقين بما جاءت به الرسل ﴿وَالشُّهَدَاء﴾ المقتولين في سبيل الله ﴿وَالصَّالِحِينَ﴾ الملازمين للصلاح ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ فيه معنى التعجب ورفيقا تمييز أو حال يقال للواحد والجمع كالصديق ولذا لم يجمع أو المراد حسن كل واحد منهم رفيقا.