والنقطة الجديرة بالتذكير هنا هي أن ذكر هذه المراحل الأربع يمكن أن يكون إِشارة إِلى أنّه لابدّ لبناء المجتمع الإِنساني الصالح والسليم من: أن يبدأ الأنبياءـوهم القادة والهداة بحق الهداية، ثمّ يتبعهم المبلغون الصادقون بالقول والعمل، وهم الصاديقون الذين يصدق عملهم قولهم وفعلهم دعواهم فينشروا الحقائق في كل مكان، ثمّ بعد مرحلة البناء الفكري والإِعتقادي هذه، يقوم جماعة في وجه العناصر الفاسدة ومن يريدون الوقوف في طريق الحقّ، فيضحون بأنفسهم ويقدمون أجسادهم وحياتهم قرابين للحقّ والعدل، فيكون حاصل هذه الجهود والمساعي ظهور الصّالحين واستقرار المجتمع الطاهر السليم.
ومن الواضح البيّن أنّ على الصالحين أيضاً أن يقوموا بهذه الواجبات الثلاث أي عليهم أن يقودوا، ويبلغوا، ويضحوا لكي يبقوا على جذوة الحق متقدة، وعلى مشعل العدل مضيئاً للأجيال اللاحقة.
كما أنّه يستفاد من الآيات الحاضرة ضمناً هذه الحقيقة، وهي أنّ مسألة مرافقة الصالحين وصحبة الرفقاء الطيبين لها من الأهمية بحيث تعتبر في الآخرة الجزء المكمل للنعم الإِلهية الكبرى التي يمنّ الله بها على المطيعين في الجنّة، فهم علاوة على كل ما يحصلون عليه من نعم وميزات سيحظون بمرافقة رفقاء كالأنبياء والصّديقين والشّهداء والصّالحين.
ولعلنا في غنى عن التذكير بأن معاشرة المطيعين لهذه الطوائف الأربع ليس معناه أنّهم في منزلتهم ورتبتهم، وإِنّهم في درجتهم من جميع الجهات، بل يعني أن لكل واحد منهم - مع معاشرة بعضهم لبعض - سهماً خاصاً (يتناسب ومقامه) من المواهب والألطاف الإِلهية، فهم كأشجار بستان واحد ووروده وأعشابه، فهي مع كونها مجتمعة متجاوزة ومع أنّها تستفيد برمتها من ضوء الشمس والمطر، ولكنها ليست متساوية في حجم الإِستفادة من تلك العناصر، كما أنّها ليست متساوية في القيمة.
ثمّ يبيّن سبحانه في الآية اللاحقة أهمية هذا الإِمتياز الكبير (أي مرافقة تلك الصفوة المختارة) إِنّ هذه الهبة من جانب الله، وهو عليم بأحوال عباده ونواياهم ومؤهلاتهم: (ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليماً)، فلا يخطىء في الإِثابة والجزاء حيث أن "ذلك" إِشارة إِلى البعيد لهذا يوحي في هذه الموارد إِلى أهمية المقام وعلوه.
﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا﴾.