ثمّ يتحوّل بنا الله إلى نعمة عظيمة اُخرى هي الخامسة في مسلسل ما ذكره سبحانه من النعم في هذه السورة المباركة، حيث يوجّه النظر إلى ألطافه في الأرض حيث يقول: (والنجم والشجر يسجدان).
"النجم" يأتي أحياناً بمعنى كوكب، ويأتي اُخرى بمعنى النبات الذي لا ساق له، ولمّا جاءت الكلمة هنا بقرينة "الشجر" فيكون المقصود هو المعنى الثاني، أي النباتات بدون سيقان(7).
وهذا المصطلح معناها في الأصل (الطلوع) وإذا أطلق على النباتات (نجم) فلأنّها تخرج من الأرض، وإذا أطلق على النجمة فلأنّها تطلع.
ومن الواضح أنّ النبات مصدر جميع المواد الغذائية للإنسان، حيث يستهلك قسماً مباشراً منه، والقسم الآخر تستهلكه الحيوانات الاُخرى التي هي جزء أساسي من غذاء الإنسان، ومن هنا فإنّ النبات هو مصدر غذاء الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وهذا المعنى يصدق أيضاً في عالم الحيوانات البحرية، لأنّها تتغذّى على نباتات صغيرة جدّاً تنبت في البحر وتوجد بكثرة هائلة تقدّر بملايين البليارات، وهي المصدر الغذائي لهذه الحيوانات البحرية.
وتنمو هذه النباتات الصغيرة في البحر بتأثير الضوء (أشعّة الشمس) التي تتحرّك بين الأمواج.
وبهذا فإنّ "النجم" أنواع من النباتات الصغيرة الزاحفة (مثل اليقطين والخيار وأمثاله).
أمّا (الشجر) فإنّه النوع الآخر من النباتات التي لها سيقان وتشمل أشجار الفاكهة ونباتات الغلاّت وغير ذلك.
وتعبير (يسجدان) إشارة إلى التسليم والخضوع أمام القدرة الإلهيّة وقوانين الخلقة والإبداع الإلهي لأجل نفع الإنسان، هذا المسير الذي عيّنه الله لهم يسيرون فيه بدون أي تخلّف، وذلك بموجب الإرادة الإلهية.
وهنا إشارة إلى الأسرار التوحيدية أيضاً حيث توجد في كلّ ورقة وكلّ بذرة آيات عجيبة من عظمة وقدرة الله سبحانه(8).
كما يحتمل أن يكون المقصود من "النجم" في الآية المذكورة هي "النجوم"، ولكن المعنى الأوّل طبقاً للقرائن الموجودة في الآية الكريمة هو الأنسب.
ملاحظة
تأمّلات في الرّوايات:
نقلت المصادر الإسلامية في هامش الآيات أعلاه روايات من قبيل التّفسير بالمصداق واضح، حيث أنّ كلّ واحدة منها تلقي الضوء على قسم من الآيات الكريمة.
ففي حديث للإمام الصادق (ع) في تفسير (علّمه البيان) يقول: "البيان الإسم الأعظم الذي به علم كلّ شيء"(9).
وحول "الإسم الأعظم" وتفسيره فقد أوردنا بحثاً في هامش الآية 180 من سورة الأعراف.
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ذكر أنّ المقصود من "الرحمن علّم القرآن" أنّ الله تعالى قد علّم القرآن للرسول (ص).
والمقصود من "خلق الإنسان" هو خلق أمير المؤمنين (ع)، و "علّمه البيان" هو بيان كلّ الاُمور التي يحتاجها الناس.
ومن الواضح أنّ الرّوايات أعلاه لا تحدّد عمومية مفهوم هذه الآيات، بل توضّح مصاديقها.
﴿وَالنَّجْمُ﴾ ما نجم أي طلع من النبات بلا ساق ﴿وَالشَّجَرُ﴾ ما له ساق ﴿يَسْجُدَانِ﴾ ينقادان لأمره وتدبيره.