ويؤكّد مرّة اُخرى على مسألة العدالة والوزن حيث يقول سبحانه: (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان).
والنقطة الجديرة بالذكر هنا أنّ كلمة "الميزان" ذكرت ثلاث مرّات في هذه الآيات، وكان بالإمكان الإستفادة من الضمير في المرحلة الثانية والثالثة، وهذا ما يدلّل على أنّ كلمة (الميزان) هنا قد جاءت بمعان متعدّدة في الآيات الثلاث السابقة، لذا فإنّ الإستفادة من الضمير لا تفي بالغرض المطلوب، وضرورة التناسب للآيات يوجب تكرار كلمة "الميزان" ثلاث مرّات، لأنّ الحديث في المرحلة الاُولى، كان عن الموازين والمعايير والقوانين التي وضعها الله تعالى لكلّ عالم الوجود.
وفي المرجلة الثانية يتحدّث سبحانه عن ضرورة عدم طغيان البشر في كلّ موازين الحياة، سواء كانت الفردية أو الإجتماعية.
وفي المرحلة الثالثة يؤكّد على مسألة الوزن بمعناها الخاصّ، ويأمر البشر أن يدقّقوا في قياس ووزن الأشياء في التعامل، وهذه أضيق الدوائر.
وبهذا الترتيب نلاحظ الروعة العظيمة للإنسجام في الآيات المباركة، حيث تسلسل المراتب وحسب الأهمية في مسألة الميزان والمقياس، والإنتقال بها من الدائرة الأوسع إلى الأقل فالأقل(2).
إنّ أهميّة الميزان في أي معنى كان عظيمة في حياة الإنسان بحيث إنّنا إذا حذفنا حتّى مصداق الميزان المحدود والصغير والذي يعني (المقياس) فإنّ الفوضى والإرتباك سوف تسود المجتمع البشري، فكيف بنا إذا ألغينا المفهوم الأوسع لهذه الكلمة، حيث ممّا لا شكّ فيه أنّ الإضطراب والفوضى ستكون بصورة أوسع وأشمل.
ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ (الميزان): قد فسّر بوجود (الإمام)، وذلك لكون الوجود المبارك للإمام المعصوم هو وسيلة لقياس الحقّ من الباطل، ومعيار لتشخيص الحقائق وعامل مؤثّر في الهداية(3).
وهكذا في تفسير "الميزان" بالقرآن الكريم ناظر إلى هذا المعنى.
ونظراً إلى أنّ هذه الآيات تتحدّث عن النعم الإلهية، فإنّ وجود الميزان سواء في نظم العالم أجمع أو المجتمع الإنساني أو الروابط الإجتماعية أو مجال العمل التجاري ... فإنّها جميعاً نِعَم من قبل الله سبحانه.
﴿وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل ﴿وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ لا تنقصوه.