لقد طرحت في الآيات السابقة ثلاث صفات لهاتين الجنّتين، وتستعرض الآية الكريمة التالية الصفة الرابعة حيث يقول تعالى: (متكئين على فرش بطائنها من استبرق)(8).
وفي الغالب أنّ الإنسان عندما يتكىء يكون في جوّ هادىء وفي أمان تامّ، وهذا التعبير يدلّل على الهدوء الكامل والإستقرار التامّ لدى أهل الجنّة.
"فرش" على وزن "حجب"، جمع فراش، وهو الفراش الذي يبسط.
و "بطائن" جمع بطانة، وهي القماش الداخلي للفرش.
و "إستبرق" بمعنى الحرير السميك.
والشيء الظريف هنا أنّ أثمن قماش يتصوّر في هذه الدنيا يكون بطانة لتلك الفرش، إشارة إلى أنّ القسم الظاهر لا يمكننا وصفه من حيث الجمال والجاذبية.
حيث أنّ البطانة غالباً ما تستعمل من القماش الرديء قياساً للوجه الظاهري، وعلى هذا فإنّنا نلاحظ أنّ أردأ نوع من القماش في ذلك العالم يعتبر من أثمن وأرقى أنواع القماش في الدنيا، فكيف الحال بالثمين من متاع الجنّة؟
ومن المسلّم أنّ الهبات الإلهية في عالم الآخرة لا نستطيع وصفها بالألفاظ، ولا حتّى تصوّرها، إلاّ أنّ الآيات الكريمة تعكس لنا شبحاً وظلالا عنها من خلال ألفاظها المعبّرة.
ونقرأ أيضاً في وصف المتع لأهل الجنّة حيث يحدّثنا القرآن عنهم بأنّهم يتكئون على "الآرائك" - التخت الذي له متّكأ - و "السرير" هو - التخت الذي ليس له متكأ - والإتّكاء هنا على فرش، وعلينا عندئذ أن نتصوّر كم هي اللذات المتنوّعة في الجنّة، حيث تارةً يتكأ على الآرائك واُخرى على السرر المفروشة بهذه الأفرشة الثمينة، وقد تكون اُمور اُخرى من هذه النعم لا نستطيع إدراكها نحن سكّان هذا العالم.
وأخيراً، وفي خامس نعمة يشير سبحانه إلى كيفية هذه النعم العظيمة حيث يقول: (وجنى الجنّتين دان).
نعم لا توجد صعوبة في قطف ثمار الجنّة كالصعوبة التي نواجهها في عالمنا هذا.
(جنى) على وزن (بقى) وتعني الفاكهة التي نضج قطفها.
(دان) في الأصل (داني) بمعنى قريب.
﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ ديباج غليظ فتكون ظهائرها أعلى وأجل ﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ﴾ ثمرهما ﴿دَانٍ﴾ قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع.