بعد هذا المشهد ومشهد اختبار الملائكة، أُمر آدم وزوجه أن يسكنا الجنّة، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ، وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَُما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾.
يستفاد من آيات القرآن أن آدم خُلق للعيش على هذه الأرض.
لكنّ الله شاء أن يسكنه قبل ذلك الجنّة، وهي روضة خضراء موفورة النعمة في هذا العالم، وخالية من كل ما يزعج آدم.
لعل مرحلة مكوث آدم في الجنّة كانت مرحلة تحضيرية لعدم ممارسة آدم للحياة على الارض وصعوبة تحمّل المشاكل الدنيوية بدون مقدمة، ومن أجل تأهيل آدم لتحمل مسؤوليات المستقبل، ولتفهيمه أهمية حمل هذه المسؤوليات والتكاليف الإِلهية في تحقيق سعادته، ولإِعطائه صورة عن الشقاء الذي يستتبع إهمال هذه التكاليف، ولتنبيهه بالمحظورات التي سيواجهها على ظهر الأرض.
وكان من الضروري أيضاً أن يعلم آدم بإمكان العودة إلى الله بعد المعصية.
فمعصية الله - لا تسدّ إلى الإبد - أبواب السعادة أمامه، بل يستطيع أن يرجع ويعاهد الله أن لا يعود لمثلها، وعند ذاك يعود إلى النعم الإِلهية.
ينبغي أن ينضج آدم (عليه السلام) في هذا الجوّ إلى حد معيّن، وأن يعرف أصدقاءه وأعداءه، ويتعلم كيف يعيش على ظهر الأرض.
نعم، كانت هذه مجموعة من التعاليم الضرورية التي تؤهله للحياة على ظهر الأرض.
كانت هذه مقدمات تأهيلية يحتاجها آدم وأبناء آدم في حياتهم الجديدة.
ولعل الفترة التي قضاها آدم في الجنّة أن ينهض بمسؤولية الخلافة على الأرض كانت تدريبية أو تمرينية.
وهنا رأى «آدم» نفسه أمام أمر إلهي يقضي بعدم الاقتراب من الشجرة، لكن الشيطان أبى إلاّ أن ينفذ بقسمه في إغواء آدم وذريته، فطفق يوسوس لآدم ويعده وزوجه - كما يبدو من سائر آيات القرآن الكريم - بالخلود وباتخاذ شكل الملائكة وأقسم أنه لهما من الناصحين.
﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ﴾ حواء ولم يخاطبهما أولا إشعارا بأنه المقصود وهي تبع له ﴿الْجَنَّةَ﴾ من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس وتغرب وقيل دار الثواب إذ لا معهود غيرها ﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً﴾ واسعا بلا تعب ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ أي مكان منها ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ هي الحنطة أو الكرمة أو التينة أو شجرة تحمل أنواع المطاعم والفواكه وهي شجرة علم محمد وآل محمد ﴿فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ بالإقدام على ما فيه عدم صلاحكما.