وبعد هذا الإستعراض العام. تناولت السورة أوّل حكم حاسم للزاني والزانية (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) ولتأكيد هذا الحكم قالت (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).
وأشارت الآية في نهايتها إِلى مسألة أخرى لإكمال الإستنتاج من العذاب الإِلهي (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين).
وتشتمل هذه الآية على ثلاثة تعاليم:
1 - الحكم بمعاقبة النساء والرجال الذين يمارسون الزنا.
2 - إقامة هذا الحكم الإِلهي بعيداً عن الرأفةِ بمن يقامُ عليه، فهذه الرأفةُ الكاذبة تؤدّي إِلى الفساد وانحطاط المجتمع. وتضع الآيةُ الإِيمان بالله ويوم الحساب مُقابِل الرأفةِ التي قَدْ يحس بها أحد تجاه الزاني والزانية ساعةِ إِقامة الحدّ عليهما، لأن أداء الأحكام الإِلهية من غير تأثُرِ بالعواطِفَ دليل على صدق الإِيمان بالمبدأ والمعاد، والإيمان بالله العالم الحكيم يعني أنّ لكل حكم من أحكامه غاية وهدف حكيم، والإيمان بالمعاد يُشعر الإِنسان بالمسؤولية إزاء كل مخالفة.
وذكر بهذا الصدد حديث مهم عن الرّسول الأكرم(ص): "يُؤتي بوال نقص من الحدّ سوطاً، فيقال له: لِمَ فعلت ذلك؟ فيقول: رحمةً لعبادك، فيقال له: أنت أرحم بهم منّي؟! فيؤمر به إلى النار، ويؤتى بمن زاد سوطاً، فيقال له: لم فعلت ذلك؟ فيقول: لينتهوا عن معاصيك! فيقول: أنت أحكم به منّي؟! فيؤمر به إلى النّار!".(2)
3 - أوجب الله حضور عدد من المؤمنين في ساحة معاقبة الزناة ليتعظ الناس بما يرونَ مِنْ إقامة حكم الله العادل على المذنبين، وبملاحظة النسيج الإِجتماعي للبشر نرى أن انحطاط الشخص لا ينحصر فيه، بل يسري إِلى الآخرين، ولإتمام التطهير يجب أن يكون العقاب علناً مثلماً كان الذنب علناً.
وبهذا يتّضح الجواب عن السؤال: لِمَ يعرّض الإِسلامُ كرامة إنسان بين الناس إلى الخدش والامتهان؟ فيقال: ما دَامَ الذنبُ سِرَّاً لِمَ يَطَّلِعْ عليه أحَدٌ وَلم يبلُغ القضاء، فلا بأسَ بكتمانِهِ في النفس وإستغفارِ الله مِنْهُ، فإنَّه تعالى يَسْتُرُهْ بلطفِهِ ويُحبُّ مَنْ يَسْتُرهُ، أمّا إذا ظهر الجُرْمُ بالأدِلَّةِ الشرعيّةِ، فلابُدَّ من تنفيذ العقاب بشكل يبطل آثار الذنب السيئة، ويبعثُ على استفظاعه وَبَشاعته. ومن الطبيعي أن يولي المجتمع السليم الأحكامَ اهتماماً كبيراً، فتكرار التحدِّي للحدود الشرعيَّة يُفْقِدُها فاعليتها في صيانَةَ الطمأنينة والأستقرار في النفوس، ومِنْ هنا وجبت إقامة هذا الحَدِّ عَلَناً ليمتنع الناسُ مِن تكرار فاحِشَة ساءَتْ سبيلا.
ويجب أن لا ننسى أن كثيراً من الناس يهتم باطّلاع الناسِ على سُوءِ فِعله أكثر من اهتمامه بِما يَنْزِلُ به من العقابِ على ذلك الفِعل الشنيع. ولهذا وجبت إقامة الحَدِّ على الزَّاني بحضور الناس، وهذا الإعلان لإقامة هذا الحدِّ الإِلهي أمام الناس قد يمنع المفسدين مِن الإستمرار في الفَسادِ ويكون بمثابة فرامل قوية امام التمادي في ركوب الشهوات.
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ مبتدأ وحذف خبره أي فيما أنزلنا حكمهما أو خبره ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مائَةَ جَلْدَةٍ﴾ والفاء لتضمنها معنى الشرط ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ رحمة ﴿فِي دِينِ اللَّهِ﴾ في حكمه فتعطلوا حده أو تتسامحوا فيه ﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عن الباقر (عليه السلام) أقلها واحد وقيل اثنان وثلاثة وأربعة.