وفي آخر وصف للنعم الموجودة في هذه الجنّة يذكر سبحانه تعالى: (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان).
"رفرف" في الأصل بمعنى الأوراق الواسعة للأشجار، ثمّ اُطلقت على الأقمشة الملوّنة الزاهية التي تشبه مناظر الحدائق.
"عبقري" في الأصل بمعنى كلّ موجود قلّ نظيره، ولذا يقال للعلماء الذين يندر وجودهم بين الناس (عباقرة) ويعتقد الكثير أنّ كلمة (عبقر) كان في البداية إسماً لمدينة (بريان) إنتخبه العرب لها، لأنّ هذه المدينة كانت في مكان غير معلوم ونادر.
لذا فإنّ كلّ موضوع يقلّ نظيره ينسب لها ويقال "عبقري".
وذكر البعض أنّ "عبقر" كانت مدينة تحاك فيها أفضل المنسوجات الحريرية(7).
والمعنى الأصلي لهذه الكلمة متروك في الوقت الحاضر وتستعمل كلمة "عبقري" ككلمة مستقلّة بمعنى نادر الوجود، وتأتي جمعاً في بعض الأحيان، كما في الآية مورد البحث.
و (حسان) جمع (حسن) على وزن "نسب" بمعنى جيّد ولطيف.
وعلى كلّ حال فإنّ هذه التعابير حاكية جميعاً عن أنّ كلّ موجودات الجنّة رائعة: الفاكهة، الغذاء، القصور، الأفرشة .. والخلاصة أنّ كلّ شيء فيها لا نظير له ولا شبيه في نوعه، ولابدّ من القول هنا أنّ هذه التعبيرات لا تستطيع أبداً أن تعكس تلك الإبداعات العظيمة بدقّة، وإنّها تستطيع - فقط - أن ترسم لنا صورة تقريبية من الصورة الحقيقيّة للموجودات في الجنّة.
وللمرّة الأخيرة وهي (الحادية والثلاثون) يسأل سبحانه جميع مخلوقاته من الجنّ والإنس هذا السؤال: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان).
هل النعم المعنوية؟ أم النعم الماديّة؟ أم نعم هذا العالم؟ أم الموجودة في الجنّة؟ إنّ كلّ هذه النعم شملت وجودكم وغمرتكم .. إلاّ أنّه - مع الأسف - قد أنساكم غروركم وغفلتكم هذه الألطاف العظيمة، ومصدر عطائها وهو الله سبحانه الذي أنتم بحاجة مستمرّة إلى نعمه في الحاضر والمستقبل .. فأيّاً منها تنكرون وتكذّبون؟
﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ جمع رفرفة أي بسط أو وسائد أو رياض الجنة ﴿وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ أي طنافس جمع عبقرية أو جنس وصف بالجمع للمعنى ونسبة إلى عبقر تزعم العرب أنه بلد الجن فينسبون إليه كل عجيب.