التّفسير
عقوبة البهتان:
قَد يستغِلّ المعترضون ما نَصَّتْ عليه الآيات السابقة من عقوبات شديدة للزاني والزانية فيسيئون للمتطهّرين، فبيّنت الآيات اللاحقةُ هنا عقوبات شديدة للذين يرمون المحصنات، ويُسخّرونَ هذا الحكم لأغراضهم الدنيئة. فجاءت هاتان الآيتان لحفظ الحرمات الطاهرة وصيانة الكرامات مِن عبث هؤلاء المفسدين.
تقول الآية: (والذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء) فالأشخاص الذين يتّهمون النساء العفيفات بعمل ينافي العفّة (أي الزنا) ، ولم يأتوا بأربعة شهود عدول لاثبات ادعائهم. فحكمهم (فاجلدوهم ثمانين جلدة) وتضيف الآية حكمين أخرين: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأُولئك هم الفاسقون).
فهنا لا يقع مثل هؤلاء الأشخاص تحت طائلة العقاب الفيزيقي الشديد فحسب، بل إنّ كلامهم وشهادتهم يسقطان عن الإعتبار أيضاً، لكيلا يتمكنوا من التلاعب بسمعة الاخرين وتلويث شرفهم في المستقبل، مضافاً إلى أن وصمة الفسق تكتب على جببينهم فيفتضح أمرأهم في المجتمع. وذلك لمنعِهم من تلويث سمعة الطاهرين.
وهذا التشديد في الحكم المشرَّع لحفظ الشرفِ والطهارةِ، ليس خاصاً بهذه المسألة، ففي كثير من التعاليم الإِسلامية نراه ماثلا أمامنا للأهمية البالغة التي يمنحها الإِسلام لشرف المرأة والرجل المؤمن الطاهر.
وجاء في حديث عن الإِمام الصادق(ع): "إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإِيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء"(1).
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ يقذفون العفائف بالزنا وكذا الرجال إجماعا وتخصيصهن لخصوص الواقعة ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ ويستوي فيه الحر والمملوك عند أكثر الأصحاب ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً﴾ في شيء قبل الجلد ﴿أَبَدًا﴾ وبعده ما لم يتب وقال أبو حنيفة إلى موته ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ بفعل الكبيرة.