لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي آخر آية - مورد البحث - يتحدّث سبحانه عن رابع دليل للمعاد حيث يقول: (ولقد علمتم النشأة الاُولى أفلا تذكّرون). هذا الدليل نستطيع بيانه بصورتين: الاُولى: في المثال التالي: إذا كنا نسير في صحراء وشاهدنا قصراً مهيباً عظيماً مثيراً للإعجاب في محتوياته ومواد بنائه وهندسته، وقيل لنا: إنّ الهدف من هذا القصر هو إستعماله كمحطّة للراحة والهدوء لعدّة ساعات فقط لقافلة صغيرة .. فإنّنا سنحكم في أنفسنا بصورة قاطعة على عدم الحكمة في هذا العمل، إذ من المناسب لمثل الهدف المتقدّم ذكره أن تُعد خيمة صغيرة فقط. وعلى هذا فإنّ خلق هذه الدنيا العظيمة وما فيها من أجرام سماوية وشمس وقمر وأنواع المخلوقات الأرضية الاُخرى، هل يمكن أن يكون لهدف صغير محدود، كأن يعيش الإنسان فيها بضعة أيّام؟ كلاّ ليس كذلك، وإلاّ فانّه يعني أنّ خلق العالم سيكون بدون هدف، ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المخلوقات العظيمة قد خلقت لموجود شريف - مثل الإنسان - ليعرف الله سبحانه من خلالها، معرفة تكون رأسماله الوحيد في الدار الآخرة، فالهدف إذن هو الدار الآخرة، وهذا دليل آخر على المعاد. وهذا البيان هو ما نجده في الآية الشريفة: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الذين كفروا).(8) الثانية: هو أنّنا نلاحظ مشاهد المعاد في هذا العالم تتكرّر أمامنا في كلّ سنة وفي كلّ زاوية وكلّ مكان، حيث مشهد القيامة والحشر في عالم النبات، فتحيى الأرض الميتة بهطول الأمطار الباعثة للحياة قال تعالى: (إنّ الذي أحياها لمحيّ الموتى)،(9) وقد اُشير إلى هذا المعنى كذلك في الآية 6 من سورة الحجّ. ملاحظة حجيّة القياس: إنّ هذه المسألة تطرح عادةً في اُصول الفقه، وهي أنّنا لا نستطيع إثبات الحكم الشرعي عن طريق القياس كقولنا مثلا: (إنّ المرأة الحائض التي يجب أن تقضي صومها يجب أن تقضي صلاتها كذلك) - أي يجب أن تكون إستنتاجاتنا من الكلّي إلى الجزئي، وليس العكس - وبالرغم من أنّ علماء أهل السنّة قد قبلوا القياس في الغالب كأحد مصادر التشريع في الفقه الإسلامي، فإنّ قسماً منهم يوافقوننا في مسألة (نفي حجيّة القياس). والظريف هنا أنّ بعض مؤيّدي القياس أرادوا أن يستدلّوا بمقصودهم بالآية التالية: (ولقد علمتم النشأة الاُولى) أي قيسوا النشأة الاُخرى (القيامة) على النشأة الاُولى (الدنيا). إلاّ أنّ هذا الإستدلال عجيب، لأنّه أوّلا: إنّ المذكور في الآية هو إستدلال عقلي وقياس منطقي، ذلك أنّ منكري المعاد كانوا يقولون: كيف تكون لله القدرة على إحياء العظام النخرة؟ فيجيبهم القرآن الكريم بالمفهوم التالي: إنّ القوّة التي كانت لها القدرة على خلقكم في البداية هي نفسها ستكون لها القدرة لخلقكم مرّة ثانية، في الوقت الذي لا يكون القياس الظنّي بالأحكام الشرعية بهذه الصورة أبداً، لأنّنا لا نحيط بمصالح ومفاسد كلّ الأحكام الشرعية. وثانياً: إنّ من يقول ببطلان القياس يستثني قياس الأولوية، فمثلا يقول تعالى: (ولا تقل لهما اُف ولا تنهرهما) ونفهم بطريق أولى ألاّ نؤذيهما من الناحية البدنية. والآية مورد البحث من قبيل قياس الأولوية وليس لها ربط بالقياس الظنّي مورد الخلاف والنزاع، لأنّه لم يكن شيء من المخلوقات في البداية، والله عزّوجلّ خلق الوجود من العدم وخلق الإنسان من التراب، ولذا فإنّ إعادة الإنسان إلى الوجود مرّة اُخرى أيسر من خلقه إبتداءاً، وتعكس الآية الكريمة التالية هذا المفهوم حيث يقول تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه).(10) وننهي حديثنا هذا بالحديث التالي: "عجباً كلّ العجب للمكذّب بالنشأة الاُخرى وهو يرى النشأة الاُولى، وعجباً للمصدّق بالنشأة الاُخرى وهو يسعى لدار الغرور"(11). ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ﴾ أن من قدر عليها قدر على النشأة الأخرى